فتنشأ العداوة من ثم وفيه دليل على أن المجيب يقيم الدليل على ما يجيب به إذا اقتضاه المقام (قوله إن يدركني يومك) ان شرطية والذي بعدها مجزوم زاد في رواية يونس في التفسير حيا ولابن اسحق ان أدركت ذلك اليوم يعنى يوم الاخراج (قوله مؤزرا) بهمزة أي قويا مأخوذ من الأزر وهو القوة وأنكر القزاز أن يكون في اللغة مؤزر من الأزر وقال أبو شامة يحتمل أن يكون من الازار أشار بذلك إلى تشميره في نصرته قال الأخطل * قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم * البيت (قوله ثم لم ينشب) بفتح الشين المعجمة أي لم يلبث وأصل النشوب التعلق أي لم يتعلق بشئ من الأمور حتى مات وهذا بخلاف ما في السيرة لابن اسحق ان ورقة كان يمر ببلال وهو يعذب وذلك يقتضى انه تأخر إلى زمن الدعوة والى ان دخل بعض الناس في الاسلام فان تمسكنا بالترجيح فما في الصحيح أصح وان لحظنا الجمع أمكن أن يقال الواو في قوله وفتر الوحي ليست للترتيب فلعل الراوي لم يحفظ لورقة ذكرا بعد ذلك في أمر من الأمور فجعل هذه القصة انتهاء أمره بالنسبة إلى علمه لا إلى ما هو الواقع وفتور الوحي عبارة عن تأخره مدة من الزمان وكان ذلك ليذهب ما كان صلى الله عليه وسلم وجده من الروع وليحصل له التشوف إلى العود فقد روى المؤلف في التعبير من طريق معمر ما يدل على ذلك * (فائدة) * وقع في تاريخ أحمد بن حنبل عن الشعبي ان مدة فترة الوحي كانت ثلاث سنين وبه جزم ابن إسحاق وحكى البيهقي ان مدة الرؤيا كانت ستة أشهر وعلى هذا فابتداء النبوة بالرؤيا وقع من شهر مولده وهو ربيع الأول بعد اكماله أربعين سنة وابتداء وحى اليقظة وقع في رمضان وليس المراد بفترة الوحي المقدرة بثلاث سنين وهى ما بين نزول أقرا ويا أيها المدثر عدم مجئ جبريل إليه بل تأخر نزول القرآن فقط ثم راجعت المنقول عن الشعبي من تاريخ الإمام أحمد ولفظه من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي أنزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين فكان يعلمه الكلمة والشئ ولم ينزل عليه القرآن على لسانه عشرين سنة وأخرجه ابن أبي خيثمة من وجه آخر مختصرا عن داود بلفظ بعث لأربعين ووكل به إسرافيل ثلاث سنين ثم وكل به جبريل فعلى هذا فيحسن بهذا المرسل ان ثبت الجمع بين القولين في قدر اقامته بمكة بعد البعثة فقد قيل ثلاث عشرة وقيل عشرة ولا يتعلق ذلك بقدر مدة الفترة والله أعلم وقد حكى ابن التين هذه القصة لكن وقع عنده ميكائيل بدل إسرافيل وأنكر الواقدي هذه الرواية المرسلة وقال لم يقرن به من الملائكة الا جبريل انتهى ولا يخفى ما فيه فان المثبت مقدم على النافي الا ان صحب النافي دليل نفيه فيقدم والله أعلم وأخذ السهيلي هذه الرواية فجمع بها المختلف في مكثه صلى الله عليه وسلم بمكة فإنه قال جاء في بعض الروايات المسندة ان مدة الفترة سنتين ونصفا وفى رواية أخرى ان مدة الرؤيا ستة أشهر فمن قال مكث عشر سنين حذف مدة الرؤيا والفترة ومن قال ثلاث عشرة أضافهما وهذا الذي اعتمده السهيلي من الاحتجاج بمرسل الشعبي لا يثبت وقد عارضه ما جاء عن ابن عباس ان مدة الفترة المذكورة كانت أياما وسيأتى مزيد لذلك في كتاب التعبير إن شاء الله تعالى (قوله قال ابن شهاب وأخبرني أبو سلمة) انما أتى بحرف العطف ليعلم انه معطوف على ما سبق كأنه قال أخبرني عروة بكذا وأخبرني أبو سلمة بكذا وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن ابن عوف وأخطأ من زعم أن هذا معلق وإن كانت صورته صورة التعليق ولو لم يكن في ذلك
(٢٦)