الثلاث أنها منبهة على ما عداها إذ أصل الديانة منحصر في ثلاث القول والفعل والنية فنبه على فساد القول بالكذب وعلى فساد الفعل بالخيانة وعلى فساد النية بالخلف لان خلف الوعد لا يقدح الا إذا كان العزم عليه مقارنا للوعد أما لو كان عازما ثم عرض له مانع أو بدا له رأى فهذا لم توجد منه صورة النفاق قاله الغزالي في الاحياء وفى الطبراني في حديث طويل ما يشهد له ففيه من حديث سلمان إذا وعد وهو يحدث نفسه انه يخلف وكذا قال في باقي الخصال واسناده لا بأس به ليس فيهم من أجمع على تركه وهو عند أبي داود والترمذي من حديث زيد بن أرقم مختصر بلفظ إذا وعد الرجل أخاه ومن نيته أن يفي له فلم يف فلا اثم عليه (قوله إذا وعد) قال صاحب المحكم يقال وعدته خيرا ووعدته شرا فإذا أسقطوا الفعل قالوا في الخير وعدته وفى الشر أوعدته وحكى ابن الأعرابي في نوادره أوعدته خيرا بالهمزة فالمراد بالوعد في الحديث الوعد بالخير وأما الشر فيستحب اخلافه وقد يجب ما لم يترتب على ترك انفاذه مفسدة وأما الكذب في الحديث فحكى ابن التين عن مالك انه سئل عمن جرب عليه كذب فقال أي نوع من الكذب لعله حدث عن عيش له سلف فبالغ في وصفه فهذا لا يضر وانما يضر من حدث عن الأشياء بخلاف ما هي عليه قاصدا الكذب انتهى وقال النووي هذا الحديث عده جماعة من العلماء مشكلا من حيث إن هذه الخصال قد توجد في المسلم المجمع على عدم الحكم بكفره قال وليس فيه اشكال بل معناه صحيح والذي قاله المحققون ان معناه ان هذه خصال نفاق وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلق باخلاقهم (قلت) ومحصل هذا الجواب الحمل في التسمية على المجاز أي صاحب هذه الخصال كالمنافق وهو بناء على أن المراد بالنفاق نفاق الكفر وقد قيل في الجواب عنه ان المراد بالنفاق نفاق العمل كما قدمناه وهذا ارتضاه القرطبي واستدل له بقول عمر لحذيفة هل تعلم في شيئا من النفاق فإنه لم يرد بذلك نفاق الكفر وانما أراد نفاق العمل ويؤيده وصفه بالخالص في الحديث الثاني بقوله كان منافقا خالصا وقيل المراد باطلاق النفاق الانذار والتحذير عن ارتكاب هذه الخصال وان الظاهر غير مراد وهذا ارتضاه الخطابي وذكر أيضا انه يحتمل ان المتصف بذلك هو من اعتاد ذلك وصار له ديدنا قال ويدل عليه التعبير بإذا فإنها تدل على تكرر الفعل كذا قال والأولى ما قال الكرماني ان حذف المفعول من حدث يدل على العموم أي إذ حدث في كل شئ كذب فيه أو يصير قاصرا أي إذا وجد ماهية التحديث كذب وقيل هو محمول على من غلبت عليه هذه الخصال وتهاون بها واستخف بأمرها فان من كان كذلك كان فاسد الاعتقاد غالبا وهذه الأجوبة كلها مبنية على أن اللام في المنافق للجنس ومنهم من ادعى انها للعهد فقال إنه ورد في حق شخص معين أو في حق المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتمسك هؤلاء بأحاديث ضعيفة جاءت في ذلك لو ثبت شئ منها لتعين المصير إليه وأحسن الأجوبة ما ارتضاه القرطبي والله أعلم (قوله تابعه شعبة) وصل المؤلف هذه المتابعة في كتاب المظالم ورواية قبيصة عن سفيان وهو الثوري ضعفها يحيى بن معين وقال الشيخ محيي الدين انما أوردها البخاري على طريق المتابعة لا الأصالة وتعقبه الكرماني بأنها مخالفة في اللفظ والمعنى من عدة جهات فكيف تكون متابعة وجوابه ان المراد بالمتابعة هنا كون الحديث مخرجا في صحيح مسلم وغيره من طرق أخرى عن الثوري وعند المؤلف من طرق أخرى عن الأعمش منها
(٨٤)