(قوله انا أوحينا إليك الآية) قيل قدم ذكر نوح فيها لأنه أول نبي أرسل أو أول نبي عوقب قومه فلا يرد كون آدم أول الأنبياء مطلقا كما سيأتي بسط القول في ذلك في الكلام على حديث الشفاعة ومناسبة الآية للترجمة واضح من جهة ان صفة الوحي إلى نبينا صلى الله عليه وسلم توافق صفة الوحي إلى من تقدمه من النبيين ومن جهة ان أول أحوال النبيين في الوحي بالرؤيا كما رواه أبو نعيم في الدلائل باسناد حسن عن علقمة بن قيس صاحب ابن مسعود قال إن أول ما يؤتى به الأنبياء في المنام حتى تهدأ قلوبهم ثم ينزل الوحي بعد في اليقظة (قوله حدثنا الحميدي) هو أبو بكر عبد الله ابن الزبير بن عيسى منسوب إلى حميد بن أسامة بطن من بنى أسد بن عبد العزى بن قصي رهط خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم يجتمع معها في أسد ويجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي وهو امام كبير مصنف رافق الشافعي في الطلب عن ابن عيينة وطبقته وأخذ عنه الفقه ورحل معه إلى مصر ورجع بعد وفاته إلى مكة إلى أن مات بها سنة تسع عشرة ومائتين فكأن البخاري امتثل قوله صلى الله عليه وسلم قدموا قريشا فافتتح كتابه بالرواية عن الحميدي لكونه أفقه قرشي أخذ عنه وله مناسبة أخرى لأنه مكي كشيخه فناسب ان يذكر في أول ترجمة بدء الوحي لان ابتداءه كان بمكة ومن ثم ثنى بالرواية عن مالك لأنه شيخ أهل المدينة وهى تالية لمكة في نزول الوحي وفى جميع الفضل ومالك وابن عيينة قرينان قال الشافعي لولاهما لذهب العلم من الحجاز (قوله حدثنا سفيان) هو ابن عيينة بن أبي عمران الهلالي أبو محمد المكي أصله ومولده الكوفة وقد شارك مالكا في كثير من شيوخه وعاش بعده عشرين سنة وكان يذكر انه سمع من سبعين من التابعين (قوله عن يحيى بن سعيد) في رواية غير أبي ذر حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري اسم جده قيس بن عمرو وهو صحابي ويحيى من صغار التابعين وشيخه محمد بن إبراهيم بن الحرث بن خالد التيمي من أوساط التابعين وشيخ محمد علقمة بن وقاص الليثي من كبارهم ففي الاسناد ثلاثة من التابعين في نسق وفى المعرفة لابن منده ما ظاهره ان علقمة صحابي فلو ثبت لكان فيه تابعيان وصحابيان وعلى رواية أبي ذر يكون قد اجتمع في هذا الاسناد أكثر الصيغ التي يستعملها المحدثون وهى التحديث والاخبار والسماع والعنعنة والله أعلم وقد اعترض على المصنف في ادخاله حديث الأعمال هذا في ترجمة بدء الوحي وانه لا تعلق له به أصلا بحيث ان الخطابي في شرحه والإسماعيلي في مستخرجه أخرجاه قبل الترجمة لاعتقادهما انه انما أورده للتبرك به فقط واستصوب أبو القاسم بن منده صنيع الإسماعيلي في ذلك وقال ابن رشيد لم يقصد البخاري بايراده سوى بيان حسن نيته فيه في هذا التأليف وقد تكلفت مناسبته للترجمة فقال كل بحسب ما ظهر له انتهى وقد قيل إنه أراد ان يقيمه مقام الخطبة للكتاب لان في سياقه ان عمر قاله على المنبر بمحضر الصحابة فإذا صلح ان يكون في خطبة المنبر صلح أن يكون في خطبة الكتاب وحكى الملهب ان النبي صلى الله عليه وسلم خطب به حين قدم المدينة مهاجرا فناسب ايراده في بدء الوحي لان الأحوال التي كانت قبل الهجرة كانت كالمقدمة لها لان بالهجرة افتتح الاذن في قتال المشركين ويعقبه النصر والظفر والفتح انتهى وهذا وجه حسن الا انني لم أر ما ذكره من كونه صلى الله عليه وسلم خطب به أول ما هاجر منقولا وقد وقع في باب ترك الحيل بلفظ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا أيها الناس انما الأعمال بالنية الحديث ففي هذا ايماء إلى أنه كان في حال الخطبة أما كونه كان في ابتداء قدومه
(٧)