لا نقص في علم الله ولا نهاية لمعلوماته وقد وقع في رواية ابن جريج بلفظ أحسن سياقا من هذا وأبعد اشكالا فقال ما علمي وعلمك في جنب علم الله الا كما أخذ هذا العصفور بمنقاره من البحر وهو تفسير للفظ الذي وقع هنا قال وفى قصة موسى والخضر من الفوائد أن الله يفعل في ملكه ما يريد ويحكم في خلقه بما يشاء مما ينفع أو يضر فلا مدخل للعقل في أفعاله ولا معارضة لاحكامه بل يجب على الخلق الرضا والتسليم فان ادراك العقول لأسرار الربوبية قاصر فلا يتوجه على حكمه كم ولا كيف كما لا يتوجه عليه في وجوده أين وحيث وأن العقل لا يحسن ولا يقبح وأن ذلك راجع إلى الشرع فما حسنه بالثناء عليه فهو حسن وما قبحه بالذم فهو قبيح وأن لله تعالى فيما يقضيه حكما وأسرارا في مصالح خفية اعتبرها كل ذلك بمشيئته وارادته من غير وجوب عليه ولا حكم عقل يتوجه إليه بل يحسب ما سبق في علمه ونافذ حكمه فما أطلع الخلق عليه من تلك الاسرار عرف والا فالعقل عنده واقف فاليحذر المرء من الاعتراض فان مآل ذلك إلى الخيبة قال ولننبه هنا على مغلطتين الأولى وقع لبعض الجهلة ان الخضر أفضل من موسى تمسكا بهذه القصة وبما اشتملت عليه وهذا انما يصدر ممن قصر نظره على هذه القصة ولم ينظر فيما خص الله به موسى عليه السلام من الرسالة وسماع كلام الله واعطائه التوراة فيها علم كل شئ وأن أنبياء بني إسرائيل كلهم داخلون تحت شريعته ومخاطبون بحكم نبوته حتى عيسى وأدلة ذلك في القرآن كثيرة ويكفى من ذلك قوله تعالى يا موسى انى اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي وسيأتى في أحاديث الأنبياء من فضائل موسى ما فيه كفاية قال والخضر وإن كان نبيا فليس برسول باتفاق والرسول أفضل من نبي ليس برسول ولو تنزلنا على أنه رسول فرسالة موسى أعظم وأمته أكثر فهو أفضل وغاية الخضر أن يكون كواحد من أنبياء بني إسرائيل وموسى أفضلهم وان قلنا إن الخضر ليس بنبي بل ولى فالنبي أفضل من الولي وهو أمر مقطوع به عقلا ونقلا والصائر إلى خلافه كافر لأنه أمر معلوم من الشرع بالضرورة قال وانما كانت قصة الخضر مع موسى امتحانا لموسى ليعتبر الثانية ذهب قوم من الزنادقة إلى سلوك طريقة تستلزم هدم أحكام الشريعة فقالوا انه يستفاد من قصة موسى والخضر أن الأحكام الشرعية العامة تختص بالعامة والأغبياء وأما الأولياء والخواص فلا حاجة بهم إلى تلك النصوص بل انما يراد منهم ما يقع في قلوبهم ويحكم عليهم بما يغلب على خواطرهم لصفاء قلوبهم عن الأكدار وخلوها عن الأغيار فتنجلى لهم العلوم الإلهية والحقائق الربانية فيقفون على اسرار الكائنات ويعلمون الاحكام الجزئيات فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات كما اتفق للخضر فإنه استغنى بما ينجلى له من تلك العلوم عما كان عند موسى ويؤيده الحديث المشهور استفت قلبك وان أفتوك قال القرطبي وهذا القول زندقة وكفر لأنه انكار لما علم من الشرائع فان الله قد أجرى سنته وأنفذ كلمته بان أحكامه لا تعلم الا بواسطة رسله السفراء بينه وبين خلقه المثبتين لشرائعه وأحكامه كما قال تعالى الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس وقال الله أعلم حيث يجعل رسالاته وأمر بطاعتهم في كل ما جاؤوا به وحث على طاعاتهم والتمسك بما أمروا به فان فيه الهدى وقد حصل العلم اليقين واجماع السلف على ذلك فمن ادعى ان هناك طريقا أخرى يعرف بها أمره ونهيه غير الطرق التي جاءت بها الرسل يستغنى بها عن الرسول فهو كافر يقتل ولا يستتاب قال وهى دعوى
(١٩٦)