احتياجه إلى تقدير واختار ابن الحاجب النصب على أنه مع ما بعده كاسم واحد مركب كأنه أضيف والمنادى المضاف منصوب وقال ابن التين يجوز النصب على أن قوله معاذ زائد فالتقدير يا ابن جبل وهو يرجع إلى كلام ابن الحاجب بتأويل (قوله قال لبيك يا رسول الله وسعديك) اللب بفتح اللام معناه هنا الإجابة والسعد المساعدة كأنه قال لبا لك واسعادا لك ولكنهما ثنيا على معنى التأكيد والتكثير أي إجابة بعد إجابة واسعادا بعد اسعاد وقيل في أصل لبيك واشتقاقها غير ذلك وسنوضحه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى (قوله ثلاثا) أي النداء والاجابة قيلا ثلاثا وصرح بذلك في رواية مسلم ويؤيده الحديث المتقدم في باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه (قوله صدقا) فيه احتراز عن شهادة المنافق وقوله من قلبه يمكن أن يتعلق بصدقا أي يشهد بلفظه ويصدق بقلبه ويمكن أن يتعلق بيشهد أي يشهد بقلبه والأول أولى وقال الطيبى قوله صدقا أقيم هنا مقام الاستقامة لان الصدق يعبر به قولا عن مطابقة القول المخبر عنه ويعبر به فعلا عن تحرى الأخلاق المرضية كقوله تعالى والذي جاء بالصدق وصدق به أي حقق ما أورده قولا بما تحراه فعلا انتهى وأراد بهذا التقرير رفع الاشكال عن ظاهر الخبر لأنه يقتضى عدم دخول جميع من شهد الشهادتين النار لما فيه من التعميم والتأكيد لكن دلت الأدلة القطعية عند أهل السنة على أن طائفة من عصاة المؤمنين يعذبون ثم يخرجون من النار بالشفاعة فعلم أن ظاهره غير مراد فكأنه قال إن ذلك مقيد بمن عمل الأعمال الصالحة قال ولأجل خفاء ذلك لم يؤذن لمعاذ في التبشير به وقد أجاب العلماء عن الاشكال أيضا بأجوبة أخرى منها ان مطلقه مقيد بمن قالها تائبا ثم مات على ذلك ومنها أن ذلك كان قبل نزول الفرائض وفيه نظر لان مثل هذا الحديث وقع لأبي هريرة كما رواه مسلم وصحبته متأخرة عن نزول أكثر الفرائض وكذا ورد نحوه من حديث أبي موسى رواه أحمد باسناد حسن وكان قدومه في السنة التي قدم فيها أبو هريرة ومنها انه خرج مخرج الغالب إذ الغالب أن الموحد يعمل الطاعة ويجتنب المعصية ومنها أن المراد بتحريمه على النار تحريم خلوده فيها لا أصل دخولها ومنها أن المراد النار التي أعدت للكافرين لا الطبقة التي أفردت لعصاة الموحدين ومنها أن المراد بتحريمه على النار حرمة جملته لان النار لا تأكل مواضع السجود من المسلم كما ثبت في حديث الشفاعة أن ذلك محرم عليها وكذا لسانه الناطق بالتوحيد والعلم عند الله تعالى (قوله فيستبشرون) كذا لأبي ذر أي فهم يستبشرون وللباقين بحذف النون وهو أوجه لوقوع الفاء بعد النفي أو الاستفهام أو العرض وهى تنصب في كل ذلك (قوله إذا يتكلوا) بتشديد المثناة المفتوحة وكسر الكاف وهو جواب وجزاء أي ان أخبرتهم يتكلوا وللاصيلى والكشميهني ينكلوا باسكان النون وضم الكاف أي يمتنعوا من العمل اعتمادا على ما يتبادر من ظاهره وروى البزار باسناد حسن من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في هذه القصة ان النبي صلى الله عليه وسلم أذن لمعاذ في التبشير فلقيه عمر فقال لا تعجل ثم دخل فقال يا نبي الله أنت أفضل رأيا ان الناس إذا سمعوا ذلك اتكلوا عليها قال فرده وهذا معدود من موافقات عمر وفيه جواز الاجتهاد بحضرته صلى الله عليه وسلم واستدل بعض متكلمي الأشاعرة من قوله يتكلوا على أن للعبد اختيارا كما سبق في علم الله (قوله عند موته) أي موت معاذ وأغرب الكرماني فقال يحتمل أن يرجع الضمير إلى رسول
(٢٠٠)