الله صلى الله عليه وسلم (قلت) ويرده ما رواه أحمد بسند صحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال أخبرني من شهد معاذا حين حضرته الوفاة يقول سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم يمنعني ان أحدثكموه الا مخافة ان تتكلوا فذكره (قوله تأثما) هو بفتح الهمزة وتشديد المثلثة المضمومة أي خشية الوقوع في الاثم وقد تقدم توجيهه في حديث بدء الوحي في قوله يتحنث والمراد بالاثم الحاصل من كتمان العلم ودل صنيع معاذ على أنه عرف ان النهى عن التبشير كان على التنزيه لا على التحريم والا لما كان يخبر به أصلا أو عرف ان النهى مقيد بالاتكال فأخبر به من لا يخشى عليه ذلك وإذا زال القيد زال المقيد والأول أوجه لكونه أخر ذلك إلى وقت موته وقال القاضي عياض لعل معاذا لم يفهم النهى لكن كثر عزمه عما عرض له من تبشيرهم (قلت) والرواية الآتية صريحة في النهى فالأولى ما تقدم وفى الحديث جواز الارداف وبيان تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلة معاذ بن جبل من العلم لأنه خصه بما ذكر وفيه جواز استفسار الطالب عما يتردد فيه واستئذانه في إشاعة ما يعلم به وحده (قوله حدثنا مسدد حدثنا معتمر) كذا للجميع وذكر الجياني ان عبدوسا والقابسي روياه عن أبي زيد المروزي باسقاط مسدد من السند قال وهو وهم ولا يتصل السند الا بذكره انتهى ومعتمر هو ابن سليمان التيمي والاسناد كله بصريون الا معاذا وكذا الذي قبله الا اسحق فهو مروزي وهو الامام المعروف بابن راهويه (قوله ذكر لي) هو بالضم على البناء لما لم يسم فاعله ولم يسم أنس من ذكر له ذلك في جميع ما وقفت عليه من الطرق وكذلك جابر بن عبد الله كما قدمناه من عند أحمد لان معاذا انما حدث به عند موته بالشام وجابر وأنس إذ ذاك بالمدينة فلم يشهداه وقد حضر ذلك من معاذ عمرو بن ميمون الأودي أحد المخضرمين كما سيأتي عند المصنف في الجهاد ويأتي الكلام على ما في سياقه من الزيادة ثم ورواه النسائي من طريق عبد الرحمن بن سمرة الصحابي المشهور انه سمع ذلك من معاذ أيضا فيحتمل ان يفسر المبهم بأحدهما والله أعلم * (تنبيه) * أورد المزي في الأطراف هذا الحديث في مسند أنس وهو من مراسيل أنس وكان حقه أن يذكره في المبهمات والله الموفق (قوله من لقى الله) أي من لقى الاجل الذي قدره الله يعنى الموت كذا قاله جماعة ويحتمل أن يكون المراد البعث أو رؤية الله تعالى في الآخرة (قوله لا يشرك به) اقتصر على نفى الاشراك لأنه يستدعى التوحيد بالاقتضاء ويستدعى اثبات الرسالة باللزوم إذ من كذب رسول الله فقد كذب الله ومن كذب الله فهو مشرك أو هو مثل قول القائل من توضأ صحت صلاته أي مع سائر الشرائط فالمراد من مات حال كونه مؤمنا بجميع ما يجب الايمان به وليس في قوله دخل الجنة من الاشكال ما تقدم في السياق الماضي لأنه أعم من أن يكون قبل التعذيب أو بعده (قوله فأخبر بها معاذ عند موته تأثما) معنى التأثم التحرج من الوقوع في الاثم وهو كالتجنب وانما خشى معاذ من الاثم المرتب على كتمان العلم وكأنه فهم من منع النبي صلى الله عليه وسلم ان يخبر بها اخبارا عاما لقوله أفلا أبشر الناس فأخذ هو أولا بعموم المنع فلم يخبر بها أحدا ثم ظهر له ان المنع انما هو من الاخبار عموما فبادر قبل موته فأخبر بها خاصا من الناس فجمع بين الحكمين ويقوى ذلك ان المنع لو كان على عمومه في الاشخاص لما أخبر هو بذلك وأخذ منه ان من كان في مثل مقامه في الفهم انه لم يمنع من اخباره وقد تعقب هذا الجواب بما أخرجه أحمد من وجه
(٢٠١)