جميع ذلك في تعليق التعليق (قوله الدين النصيحة) يحتمل أن يحمل على المبالغة أي معظم الدين النصيحة كما قيل في حديث الحج عرفة ويحتمل أن يحمل على ظاهره لان كل عمل لم يرد به عامله الاخلاص فليس من الدين وقال المازري النصيحة مشتقة من نصحت العسل إذا صفيته يقال نصح الشئ إذا خلص ونصح له القول إذا أخلصه له أو مشتقة من النصح وهى الخياطة بالمنصحة وهى الإبرة والمعنى أنه يلم شعث أخية بالنصح كما تلم المنصحة ومنه التوبة النصوح كأن الذنب يمزق الدين والتوبة تخيطه قال الخطابي النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للنصوح له وهى من وجيز الكلام بل ليس في الكلام كلمة مفردة تستوفى بها العبارة عن معنى هذه الكلمة وهذا الحديث من الأحاديث التي قيل فيها انها أحد أرباع الدين وممن عده فيها الإمام محمد ابن أسلم الطوسي وقال النووي بل هو وحده محصل لغرض الدين كله لأنه منحصر في الأمور التي ذكرها فالنصيحة لله وصفه بما هو له أهل والخضوع له ظاهرا وباطنا والرغبة في محابه بفعل طاعته والرهبة من مساخطه بترك معصيته والجهاد في رد العاصين إليه وروى الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي ثمامة صاحب على قال قال الحواريون لعيسى عليه السلام يا روح الله من الناصح لله قال الذي يقدم حق الله على حق الناس والنصيحة لكتاب الله تعلمه وتعليمه وإقامة حروفه في التلاوة وتحريرها في الكتابة وتفهم معانيه وحفظ حدوده والعمل بما فيه وذب تحريف المبطلين عنه والنصيحة لرسوله تعظيمه ونصره حيا وميتا واحياء سنته بتعلمها وتعليمها والاقتداء به في أقواله وافعاله ومحبته ومحبة أتباعه والنصيحة لأئمة المسلمين اعانتهم على ما حملوا القيام به وتنبيههم عند الغفلة وسد خلتهم عند الهفوة وجمع الكلمة عليهم ورد القلوب النافرة إليهم ومن أعظم نصيحتهم دفعهم عن الظلم بالتي هي أحسن ومن جملة أئمة المسلمين أئمة الاجتهاد وتقع النصيحة لهم ببث علومهم ونشر مناقبهم وتحسين الظن بهم والنصيحة لعامة المسلمين الشفقة عليهم والسعي فيما يعود نفعه عليهم وتعليمهم ما ينفعهم وكف وجوه الأذى عنهم وان يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه وفى الحديث فوائد أخرى * منها ان الدين يطلق على العمل لكونه سمى النصيحة دينا وعلى هذا المعنى بنى المصنف أكثر كتاب الايمان * ومنها جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب من قوله قلنا لمن * ومنها رغبة السلف في طلب علو الاسناد وهو مستفاد من قصة سفيان مع سهيل (قوله عن جرير بن عبد الله) هو البجلي بفتح الجيم وقيس الراوي عنه وإسماعيل الراوي عن قيس بجليان أيضا وكل منهم يكنى أبا عبد الله وكلهم كوفيون (قوله بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال القاضي عياض اقتصر على الصلاة والزكاة لشهرتهما ولم يذكر الصوم وغيره لدخول ذلك في السمع والطاعة * قلت زيادة السمع والطاعة وقعت عند المصنف في البيوع من طريق سفيان عن إسماعيل المذكور وله في الاحكام ولمسلم من طريق الشعبي عن جرير قال بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فلقنني فيما استطعت والنصح لكل مسلم ورواه ابن حبان من طريق أبى زرعة بن عمرو بن جرير عن جده وزاد فيه فكان جرير إذا اشترى شيا أو باع يقول لصاحبه اعلم أن ما أخذنا منك أحب إلينا مما أعطيناكه فاختر وروى الطبراني في ترجمته ان غلامه اشترى له فرسا بثلثمائة فلما رآه جاء إلى صاحبه فقال إن فرسك خير من ثلاثمائة فلم يزل
(١٢٨)