عن الأول وإلا لما أمر بالجميع، كيف وهي أحد أسباب الترجيح ولا ترجيح لها على غيرها فليحمل الأخبار على تعيين كل في طائفة أو عند تعذر الآخر أو التخيير ولافتقار العلماء إلى هذا العلم ترى سيرتهم قديما وحديثا على تدوين كتب الرجال وتنقيحها وتحصيلها باشتراء واستكتاب وعلى مطالعتها والرجوع إليها في معرفة أحوال الرواة والعمل بها في الاعتداد برجال والطعن في آخرين والتوقف في طائفة ثالثة حتى أن كثيرا منهم كانت له مهارة في هذا العلم كالصدوق والمفيد و الطوسي وغيرهم من مشايخ الحديث، بل ربما أمكن أن يقال: إن اهتمام المتقدمين فيه كان أزيد من المتأخرين؛ وهذا - مع ملاحظة ما في كتب الأصول من الإتفاق على اشتراطه في الاجتهاد - يكشف [كشفا] قطعيا عن بنائهم على الاحتياج إليه واشتراطه في الاستنباط، وعن رضى المعصوم (عليه السلام) بذلك. ومخالفة المخالف لا تقدح فيه؛ لوضوح فساد شبهاتهم، ولسبقهم بالإجماع والسيرة ولحوقهم عنه.
وترى أيضا أن سيرة الرواة والمحدثين إلى زمن تأليف الكتب الأربعة بل إلى تأليف الثلاثة المتأخرة (1) على الالتزام بذكر جميع رجال جميع الأسانيد حتى أن أحدا لو أسقطهم أو بعضهم في مقام أشار إليهم في مقام آخر كما في الفقيه والتهذيبين مع التصريح بأنه للتحرز عن لزوم الإرسال والقطع والرفع المنافية للاعتبار، ومن المعلوم أن ذلك كله لأن يعرفهم الراجع إلى كتبهم ويجتهد في أحوالهم على حسب مقدوره فيميز الموثوق به الجائز أخذ الرواية منه عن غيره وإلا لزم اللغوية فيعلم الافتقار والكشف عن الاشتراط؛ فلو كان بناؤهم على اعتبار ما فيها من غير ملاحظة أحوال الرواة للأخذ من الأصول الأربعمائة أو غيره من قرائن الاعتبار أو القطع بالصدور، لكان تطويل الكتب بذكر الجميع لغوا مكروها.
وفي الوجوه المذكورة كفاية عن غيرها في هذه الوجيزة والمسألة مفصلة في الأصول مع الأجوبة الكافية الشافية عن شبهات الخصم التي أخذها أدلة وبراهين بزعمه؛