على أنه لو كان فيهم مخالف مع وجود فتوى كبراء المتقدمين والمتأخرين واستفاضة الأخبار عن أئمة الهدى ومصابيح الدجى، وصحة طرق كثير منها واشتهار مضمونها، لم يكن خلافه قادحا، فكيف والحال كما قد علمت.
فها نحن قد قررنا لك في هذه المسألة وأوضحنا لك من مشكلها ما يجلي صدى القلوب، ويزيل أذى الصدور، ويرغم أنوف ذوي الجهل، ويشوه وجوه أولي الحسد، الذين يعضون الأنامل غيظا وحنقا، ويلتجئون في تنفيس كربتهم إلى التفكر في الاعتراض والتنبيه على ما يعدونهم بزعمهم من العورات، ويطعنون بما لا يعد طعنا في الدين، يمهدون بذلك في أنفسهم في قلوب وهماء العامة وضعفاء العقول وسفهاء الأحلام محلا، ولا يعلمون أنهم قد هدموا من دينهم، وأسخطوا الله مولاهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
فإن ما أوردناه من الأخبار عن الأئمة الأطهار، وحكيناه عن فقهاء العترة النبوية المبرئين من الزيغ والزلل إن كان حقا يجب اتباعه والانقياد إليه فناهيك وكانوا أحق بها وأهلها، وأي ملامة على من اتبع الهدى والحق وتمسك بهدى قادة الخلق لولا العمة عن صوب الصواب، والغشاء عن نور اليقين.
وإن كان باطلا مع ما أثبتناه من الأخبار الكثيرة والأقوال الشهيرة، فلا سبيل لنا إلى مخالفتهم وسلوك غير جادتهم، والحال أنهم قدوتنا في أصول ديننا وعمدتنا في أركان مذهبنا، وكيف نتبعهم حينا ونفارقهم حينا " يحلونه عاما ويحرمونه عاما " (1).
وما أنا من غزيت إن غوت * غويت وإن ترشد غزية أرشد على أن الحاسد لا يرضى وإن قرعت سمعه الآيات، والمغمض لا يقصر وإن أتي بالحجج البينات. ولو راجع عقله وتفكر لم يجد فرقا بين حل الغنائم وحل ما نحن فيه، بل هذا إنما هو شعبة من ذلك، فإنه إذا كان المبيح له والإذن في تناوله