لما روي أن النبي ع قال: لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم. وهو حرام على المرتشي بكل حال، وأما الراشي فإن كان قد رشاه على تغير حكم أو إيقافه فهو حرام، وإن كان على إجرائه على واجبه لم يحرم عليه أن يرشوه لذلك لأنه يستنقذ ماله فيحل ذلك له ويحرم على الحاكم أخذه.
والذي يقتضيه مذهبنا أن الحاكم يجب أن يكون عالما بالكتابة والنبي ع عندنا كان يحسن الكتابة بعد النبوة وإنما لم يحسنها قبل البعثة.
وأما كيفية البحث فيقدم أولا من الذي يبحث عنه ومتى يبحث عنه، وجملته أن الشهود ضربان: من له شدة عقول يعني وفور عقل وضبط وحزم وجودة تحصيل، ومن ليس لهم ذلك من شدة عقول يعني هو عاقل إلا أنه ليس بكامل العقل. جميع هذا ذكره شيخنا في مبسوطه ولا أرى به بأسا.
وإذا شهد عنده من يتتعتع في شهادته أو يتلعثم معنى يتتعتع قال الجوهري صاحب كتاب الصحاح: التعتعة في الكلام التردد فيه من حصر أو عي، وقال أيضا: قال أبو زيد: تلعثم الرجل في الأمر إذا تمكث فيه وتأنى.
فلا يسدده ولا يترك أحدا يلقنه بل يتمهل عليه حتى يفرع من شهادته، فإذا فرع فإن كانت شهادته موافقة للدعوى قبلها وحكم بها وإلا طرحها.
ومتى أراد الاحتياط والأخذ بالجزم في قبول الشهادة ينبغي له أن يفرق بين الشهود ويستدعي واحدا واحدا ويسمع شهادته ويثبتها عنده ويقيمه ويحضر الآخر فيسمع شهادته ويثبتها ثم يقابل بين الشهادات، فإن اتفقت قابلها مع دعوى المدعي فإن وافقها حكم بها بعد سؤال صاحب الحق على ما قدمناه، وإن اختلفت طرحها ولم يلتفت إليها وكذلك إن اتفقت غير أنها لم توافق الدعوى طرحها أيضا ولم يعمل بها، وهذا حكم سائر في جميع الأحكام والحقوق من الديون والأملاك والعقود والدماء والفروج والقصاص والشجاج فإن الأحوط فيها أجمع أن يفرق بين الشهود، وإن جمع بينهم وسمع شهادتهم لم يكن ذلك مما يوجب رد شهادتهم ولا موجبا الحكم بخلافها غير أن الأحوط ما قدمناه.