ثم يستحب له أن يتوضأ وضوء الصلاة ويلبس أحسن ثيابه وأطهرها ويخرج إلى المسجد الأعظم الذي يصلى الجمعة فيه في البلد الذي يحكم فيه، فإذا دخله صلى ركعتين ويجلس مستدبر القبلة ولا يجلس وهو غضبان ولا جائع ولا عطشان ولا مشغول القلب بتجارة ولا خوف ولا حزن ولا فكر في شئ من الأشياء، فإن خالف ذلك وجلس وقضى بالحق نفذ حكمه بغير خلاف.
وليجلس وعليه هدي " مفتوح الهاء مسكن الدال " وسكينة ووقار، فإذا جلس حكم للأول فالأول، فإن لم يعلم بالأول أو دخلوا عليه في دفعة واحدة روى أصحابنا: أنه يتقدم إلى من يأمر كل من حضر للتحاكم إليه أن يكتب اسمه واسم أبيه وما يعرف به من الصفات الغالبة عليه دون الألقاب المكروهة، فإذا فعلوا ذلك وكتبوا أسماءهم وأسماء خصومهم في الرقاع قبض ذلك كله وخلط الرقاع وجعلها تحت شئ يسترها به عن بصره ثم يأخذ منها رقعة ينظر فيها ويدعو باسم صاحبها وخصمه فينظر بينهما.
ويستحب أن يصل إليه في حكمه كل أحد ولا يتخذ حاجبا يحجب الناس عن الوصول إليه لما روى أبو مريم الأنصاري صاحب رسول الله ص أنه قال: من ولى شيئا من أمور الناس فاحتجب دون حاجتهم وفاقتهم احتجب الله دون خلته " بفتح الخاء وهي الحاجة " وفاقته وفقره.
وقد كره قوم القضاء في المساجد وأجازه آخرون وهو الأليق بمذهبنا لأنه لا خلاف أن أمير المؤمنين ع كان يقضي في المسجد الجامع بالكوفة، ودكة القضاء معروفة إلى اليوم وهي التي في وسط المسجد الجامع وهي تسمى أيضا دكة الطست لا يظلها شئ من الظلال.
فأما إقامة الحدود فيها فمكروهة. فإن حكم بحكم فإن وافق الحق لم يكن لأحد أن يعارضه فيه وإن أخطأ وجب عليهم أن ينبهوه عليه، وقال المخالف: ليس لأحد أن يرد عليه وإن حكم بالباطل عنده لأنه إذا كان باجتهاده وجب عليه العمل به فلا يعترض عليه بما هو فرضه. ولا اجتهاد عندنا ولا قياس وليس