قال: يؤاخذكم بما عاقدتم عليه اليمين، ولما كان عاقد في المعنى قريبا من عاهد عداه بعلى كما يعدي بها عاهد، قال تعالى: ومن أوفى بما عاهد عليه الله، والتقدير يؤاخذكم بالذي عاقدتم عليه ثم حذف الراجع فقال عاقدتم الأيمان.
ويجوز أن تكون ما مصدرية في من قرأ " عقدتم " بالتخفيف والتشديد، فلا يقتضي راجعا كما لا يقتضيه في قوله تعالى: بما كانوا يكذبون، والقراءات الثلاث يجب العمل بها على الوجوه الثلاثة، لأن القراءتين فصاعدا إذا صحت فالعمل بها واجب لأنهما بمنزلة الآيتين والآيات، على ما ذكرنا في قوله تعالى: يطهرن، يطهرن.
فصل:
واليمين على ثلاثة أقسام:
أحدها: عقدها طاعة وحلها معصية فهذا يتعلق بحنثها كفارة بلا خلاف كقوله.
والله لا أشرب خمرا ولا أقتل نفسا ظلما.
والثاني: عقدها معصية وحلها طاعة كقوله: والله لا أصلي ولا أصوم، فإذا حنث بالصلاة والصوم فلا كفارة عندنا عليه.
والثالث: أن يكون عقدها مباحا وحلها كقوله: والله لا ألبس هذا الثوب، فمتى حنث تعلق به الكفارة إذا لم يكن لبسه أولى وكذا إذا حلف أنه لا يشرب من لبن عنز له ولا يأكل من لحمها وليس به حاجة إلى ذلك لم يجز له شرب لبنها ولا لبن أولادها ولا أكل لحومهن، فإن أكل أو شرب مع ارتفاع الحاجة كانت عليه الكفارة، وإن أكل أو شرب لحاجة فليس عليه شئ.
فعلى هذا تكون الأيمان على ضربين: أحدهما لا كفارة عليه والثاني يجب فيها الكفارة، فما لا كفارة فيه هو اليمين على الماضي إذا كان كاذبا فيه وإن كان آثما، مثل أن يحلف أنه ما فعل وكان فعل أو حلف أنه فعل وما كان فعل، فهاتان لا كفارة فيهما عندنا وعند أكثر الفقهاء، وكذلك إذا حلف على مال لتقطيعه فليس له أن يقتطع ولا كفارة عليه ويلزمه الخروج مما حلف عليه والتوبة، وهي اليمين الغموس، ومنها أن يحلف على أمر فعل أو ترك