حتى الآكلة للجيف محكوم بطهارتها وطهارة سؤرها إلا أن تشاهد النجاسة في مواضع سؤرها ومن المعلوم عدم احتراز البهائم والسباع عن مزاولة النجاسات وخصوصا السباع حتى مثل الهرة فإن رزقها غالبا من افتراس فريستها إن الهرة من شأنها غالبا أكل الفأر وكذا سائر السباع فإنها لا تصبر عن أكل الجيف بل أكل بعضها بعضا وكذا بعض الطيور المحرمة الآكلة للجيف كالصقر والبازي والعقاب وقضاء العادة بعدم تطهيرها لمواضع النجس.
فما يقال: من أن الحكم بطهارتها - في صورة غيبتها واحتمال تطهيرها ولو من باب الاتفاق بأن تدخل فمها أو منقارها في الماء الجاري - ضعيف جدا لأنه يستلزم حمل الروايات على الموارد الشاذة النادرة خصوصا في صدر الاسلام المعلوم قلة وجود الماء فيه بل قلة وجود الكر والجاري فيه.
وأما باطن الانسان فاستدل لكون ذهاب النجاسة عنه مطهرا - بالاجماع هذا إذا قلنا بتنجس الباطن بملاقاته للنجس وأما إذا قلنا بعدم حصول النجاسة للباطن أصلا كما ليس ببعيد فلا يمكن عده من المطهرات وتظهر الثمرة بين القولين فيما إذا أدخل إصبعه في فيه وكان ريقه ملاقيا للدم ح فإن قلنا بقول المشهور من تنجس الباطن تنجس إصبعه لأنها لاقت ريقه الملاقي للدم وإن قلنا بالثاني لم تتنجس لأنها لم تلاق الدم وإنما لاقت الريق الملاقي للدم والمفروض عدم تنجسه بملاقاة الدم ولكن قول المشهور أوفق بالقواعد لأنه إذا دار الأمر بين تخصيص الأدلة العامة الدالة على تنجيس كل نجس لملاقيه - بالبواطن بأن يقال:
إن كل نجس منجس لملاقيه إلا البواطن وبين بقاء تلك العمومات على حالها حتى تشمل البواطن لكن نزيد على عدد المطهرات ونقول: إن من المطهرات زوال العين عن باطن الانسان فالثاني أولى لأنه على الأول يلزم تخصيص الأدلة العامة وهي آبية عن التخصيص وأما على الثاني فلا يلزم ذلك بل العمومات على حالها غاية الأمر أنه يقال: إن من المطهرات التي يستفاد من كلام الشارع حيث قال: إنما عليك أن تغسل الظاهر لا الباطن - أن الشارع جعل زوال العين من باطن الانسان مطهرا، وعد هذا من المطهرات ليس مخالفا للعمومات و لا مخصصا لها لأن الشارع لم يحصر المطهرات فيما عدا هذا الفرد فلا منافاة بين كون الماء و الشمس والنار والأرض مثلا من المطهرات وبين كون زوال العين عن البواطن أيضا من المطهرات والله العالم وعلى القول الأول - أي بناء على عدم تنجس الباطن فلا وجه لعده.