محكوما بحكمين باعتبار عنوانين فباعتبار كونه وضوء متعلق للأمر وباعتبار كونه غصبا متعلق للنهي فهو أيضا كذلك لأن تعدد العنوان لا يجعل الشئ الواحد شيئين والمفروض أن هذا الشئ الواحد حيث إنه من مصاديق الغصب - يكون مبغوض المولى فكيف يصير الشئ المبغوض محبوبا له حتى يمكن أن يكون مقربا أي لا يتمشى منه قصد القربة لأن مورد الأمر والنهي على هذا التقريب وإن كان متعددا لكن المقرب هو الموجود الخارجي وما في الخارج لا يمكن أن يكون مقربا ومبعدا حيث إن القرب والبعد ضدان وكذا لا تكون له محبوبية ومطلوبية ذاتية على فرض عدم وجود الأمر لأنه مبغوض للمولى والمحبوبية والمبغوضية متضادتان لا تجتمعان في موضوع واحد ولا يمكن تقديم جانب الأمر لأن المأمور به هنا - وهو الوضوء - له البدل فيجوز تركه إلى البدل ومفسدة الغصب وكذا مفسدة الاضرار بالنفس أهم من مصلحة الوضوء فيقدم جانب النهي.
الفرض الثالث - ما إذا زاحم الوضوء واجبا أهم كما إذا زاحم الوضوء انقاذ الغريق أو الحريق الذي له نفس محترمة والظاهر في هذا الفرض هو صحة الوضوء إذا ترك الأهم وأتى بالوضوء لعدم دلالة الأمر بالشئ على النهي عن ضده الخاص كما حقق في محله ثم إن قلنا:
أنه لا يعتبر وجود الأمر في عبادية العبادة بل تكفي المحبوبية الذاتية فيها قلنا هنا بأن الأمر وإن سقط بواسطة التزاحم لأمر الأهم إلا أن الوضوء محبوب ذاتي له تعالى وإنما لم يأمر به لأجل المزاحمة لأمر الأهم لامتناع الأمر بالضدين لأنه لا يمكن للمكلف الجمع بينهما في مقام الامتثال فلولا أمر الأهم كان يأمر بالمهم قطعا فكان الوضوء حين المزاحمة له أمر تقديري فيعلم بكونه مطلوبا له تعالى فيأتي به بعنوان المطلوبية.
وأما إذا قلنا: إنه لا بد في العبادة من وجود الأمر كما عليه شيخنا البهائي قده - على ما حكي عنه - يمكن أن يقال بتحقق الأمر هنا بناء على ثبوت الترتب بأن يقال: إن الوضوء حيث كان مزاحما لأمر الأهم لم يكن فعليا ولم يوجب انبعاث العبد وبعد ترك الأهم بواسطة العصيان صار أمر المهم فعليا لارتفاع المزاحمة بواسطة العصيان لأن أمر الأهم لا يوجب بعث العبد لبنائه على عصيان أمر الأهم فيصير أمر المولى له لغوا فكأن أمر الأهم سقط بسبب عصيان العبد فيصير أمر المهم بالنسبة إلى هذا العاصي لأمر الأهم فعليا لارتفاع التزاحم