قوله سبحانه في ذيل الحديث: * (فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى) *. فإن ظاهرها أن لكل إنسان الخيار بين الاعطاء والاتقاء والتصديق بالحسنى، وضدها. فهذه الرواية عن علي (عليه السلام) تعرب عن أن كثيرا من روايات القدر، إما منحوتة وموضوعة على لسان رسول الله بهذا المعنى الذي شرحناه، أو منقولة بغير وجهها. أضف إلى ذلك أن الروايات مخالفة للفطرة الإنسانية التي فطر الله كل إنسان عليها.
ولأجل ذلك نرى أن أصحاب النبي بعدما سمعوا حقيقة القدر على الوجه الذي جاء في الرواية، استوحشوا، فقالوا: " ففيم العمل يا رسول الله، إن كان أمر قد فرغ منه ". وما أجيبوا به من قوله (صلى الله عليه وآله): سددوا وقاربوا إلخ، ليس جوابا قالعا للشبهة ورافعا للإشكال (1).
كما أن الإجابة بأن كلا ميسر لما خلق، لا يحل العقدة إن لم يزدها تعقيدا. فإن مفاده إن أهل السعادة ميسرون للسعادة التي خلقوا لها وأهل الشقاء للشقاء الذي خلقوا له. وهذا نفس الإشكال الذي تردد في نفس السائل.
وفي ذيل رواية عمران بن حصين يظهر إن القدر بالمعنى الوارد في الرواية مظنة كونه ظلما للعباد، وأن أبا الأسود الدؤلي فزع فزعا شديدا، والجواب الذي ذكره أبو الأسود من أن كل شئ خلق الله وملك يده فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون، لا يرد الشبهة بل يؤكدها.
إن للعقيدة الإسلامية سمة البساطة لا التعقيد، وسهولة التكليف لا مشقته. أفي ميزان النصفة يتسم القدر - بهذا المعنى بالبساطة والسهولة؟!
وسيوافيك أن يد الأحبار والرهبان لعبت في هذا المجال، وأنهم هم الذين أوردوا القدر بهذا المعنى إلى الساحة الإسلامية، وغيروا ما عليه الكتاب