للشرك، بل أمره دائر حينئذ بين كونه صحيحا مطابقا للواقع - كما في الملائكة - أو غلطا مخالفا له، كما في الأنبياء والأولياء، فإنهم غير واقعين في سلسلة العلل والأسباب بل هم كسائر الناس يستفيدون من النظام الطبيعي بحيث يختل عيشهم وحياتهم عند اختلال تلك النظم ومعلوم أنه ليس كل مخالف للواقع يعتبر شركا، إذ عند ذاك يحتل الولي مكان العلة الطبيعية والنظم المادية، وليس الاعتقاد بوجود هذا النوع من العلل والأسباب مكان النظم المادية للظاهرة شركا.
وقد مر أن مشركي عهد الرسالة كانوا يعتقدون لآلهتهم نوعا من الاستقلال في الفعل وكانوا يتوجهون إليها على هذا الأساس. وقد جاء في السيرة أنه لما أصاب المسلمين مطر في الحديبية لم يبل أسفل فعالهم أي ليلا، فنادى منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله) مناديه أن ينادي ألا صلوا في رحالكم. وقال (صلى الله عليه وآله) صبيحة ليلة الحديبية لما صلى بهم: " أتدرون ما قال ربكم ". قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال الله عز وجل: " صبح بي من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا برحمة الله وفضله، فهو مؤمن بالله وكافر بالكواكب، ومن قال: مطرنا بنجم كذا وفي رواية بنوء كذا وكذا فهو مؤمن بالكواكب وكافر بي " (1).
وأما القسم الثاني وهو الاعتقاد بأن لله سبحانه فوض إلى أحد مخلوقاته بعض شؤونه كالتقنين والتشريع والشفاعة والمغفرة، فلا ريب أنه شرك بالله، واتخاذ ند له كما يقول سبحانه: * (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله) * (2) والموجود لا يكون ندا لله سبحانه، إلا إذا كان قائما بفعل أو