وفي آية أخرى يفسر حقيقة الشرك ب " اعتقاد ألوهية المعبود " وذلك في قوله سبحانه: * (أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون) * (1).
فجعل ملاك الشرك الاعتقاد بألوهية غير الله والمراد من الشرك هنا، الشرك في العبادة.
فبهذه الآيات ونظائرها يتجلى بوضوح تام أن شركهم كان بسبب اعتقادهم ألوهية معبوداتهم وبسبب هذا الاعتقاد كانوا يعبدونها ويقدمون لها النذور والقرابين وغير ذلك من التقاليد والسنن العبادية. وبما أن كلمة التوحيد تهدم عقيدتهم بألوهية غير الله سبحانه، كانوا يستكبرون عند سماعها كما قال عز وجل: * (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون) * (2) أي يرفضون ما قيل لهم، لأنهم يعتقدون بألوهية معبوداتهم أيضا، ويعبدونها لأنها آلهة بحسب تصورهم.
ولأجل هذه العقيدة السخيفة كانوا إذا دعي الله وحده كفروا به، وإذا أشرك به آمنوا كما قال سبحانه * (ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير) * (3).
وأما الأمر الثاني: فيدل عليه الآيات التي تأمر بعبادة الله وتنهى عن عبادة غيره، مدللة ذلك بأنه لا إله إلا الله كقوله سبحانه وتعالى: * (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) * (4) ومعنى ذلك أن الذي يستحق العبادة هو من كان إلها، وليس هو إلا الله. وعندئذ فكيف تعبدون ما ليس بإله. وكيف تتركون عبادة الله وهو الإله الذي يجب أن يعبد دون سواه؟ وفي هذا المضمون وردت آيات كثيرة أخرى (5).