ما لا حد له يكون واحدا لا يقبل التعدد. فقوله سبحانه، وهو الواحد القهار، من قبيل ذكر الشئ مع البينة والبرهان.
قال العلامة (الطباطبائي): " القرآن ينفي في تعاليمه الوحدة العددية عن الإله جل ذكره، فإن هذه الوحدة لا تتم إلا بتميز هذا الواحد، من ذلك الواحد بالمحدودية التي تقهره. مثال ذلك ماء الحوض إذا فرغناه في أوان كثيرة يصير ماء كل إناء ماء واحدا غير الماء الواحد الذي في الإناء الآخر، وإنما صار ماء واحدا يتميز عما في الآخر لكون ما في الآخر مسلوبا عنه غير مجتمع معه، وكذلك هذا الإنسان إنما صار إنسانا واحدا لأنه مسلوب عنه ما للإنسان الآخر، وهذا إن دل فإنما يدل على أن الوحدة العددية إنما تتحقق بالمقهورية والمسلوبية أي قاهرية الحدود، فإذا كان سبحانه قاهرا غير مقهور وغالبا لا يغلبه شئ لم تتصور في حقه وحدة عددية، ولأجل ذلك نرى أنه سبحانه عندما يصف نفسه بالواحدية يتبعها بصفة القاهرية حتى تكون الثانية دليلا على الأولى قال سبحانه:
* (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) * (1)، وقال: * (وما من إله إلا الله الواحد القهار) * وقال: * (لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء، سبحانه هو الله الواحد القهار) * (2).
وباختصار: إن كلا من الوحدة العددية كالفرد الواحد من النوع، أو الوحدة النوعية كالإنسان الذي هو نوع واحد في مقابل الأنواع الكثيرة، مقهور بالحد الذي يميز الفرد عن الآخر والنوع عن مثله، فإذا كان تعالى لا يقهره شئ وهو القاهر فوق كل شئ فليس بمحدود في شئ، فهو موجود لا يشوبه عدم، وحق لا يعرضه بطلان، وحي لا يخالطه موت، وعليم لا يدب