يتشخص، فلا يكون متحققا، لأن الكثرة رهن دخول شئ مغاير في حقيقة الشئ. مثلا: البياض بما هو بياض، لا يتصور له الاثنينية، إلا إذا دخل فيه شئ غيره، كتعدد المحل، فيتعدد البياض، ولولا ذلك لصار البياض صرف الشئ، وهو غير قابل للكثرة. يقول الحكيم السبزواري في هذا الصدد:
وماله تكثر قد حصلا * ففيه ما سواه قد تخللا إن الوجود ما له من ثان * ليس قرى وراء عبادان (1) والمراد من كونه سبحانه واحدا، هو الواحد بالمعنى الثاني، أي ليس له ثان، ولا تتصور له الاثنينية والتعدد.
ولأجل ذلك يقول سبحانه في تبيين هذه الوحدة: * (ولم يكن له كفوا أحد) * أي واحد لا نظير له.
والعجب إن الإمام أمير المؤمنين عليا (عليه السلام) قام بتفسير كونه تعالى واحدا، عندما كان بريق السيوف يشد إليه العيون، وضربات الطرفين تنتزع النفوس والأرواح في معركة (الجمل) فأحس (عليه السلام) بأن تحكيم العقيدة وصرف الوقت في تبيينها لا يقصر في الأهمية عن خوض المعارك ضد أهل الباطل:
روى الصدوق أن أعرابيا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: " يا أمير المؤمنين أتقول إن الله واحد، قال فحمل الناس عليه، وقالوا: يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب، فقال أمير المؤمنين: دعوه، فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم ".. ثم قال شارحا ما سأل عنه الأعرابي: " وقول القائل واحد، يقصد به باب الأعداد، فهذا ما لا يجوز، لأن ما لا ثاني له، لا يدخل في باب الأعداد، أما ترى أنه كفر من قال " ثالث ثلاثة ".