ولعل وجه التعبير عن الذات بالوجه، أن وجه الإنسان أو وجه كل شئ تمام حقيقته عند الناظر، ولأجل ذلك إذا رأى شخص وجه إنسان آخر يقول رأيته، كأنه رأى الذات كلها. وعلى ذلك فيحتاج حمل اللفظ على واحد من المعنيين الرائجين إلى قرينة، لأن المعنى الثاني بلغ بكثرة الاستعمال إلى حد الحقيقة.
والقرينة تعين المعنى الثاني، حيث وصف الوجه بقوله: * (ذو الجلال والإكرام) * ومن المعلوم أنها من صفات الرب، أي ذاته سبحانه، لا من صفات الوجه، أعني الجزء من الكل. ولو كان الوجه هنا بمعنى العضو المخصوص، لوجب أن يجعل " الجلال والإكرام "، وصفا للرب (المضاف إليه)، ويقول " ذي الجلال والإكرام ".
ولأجل ذلك نرى أنه سبحانه جعله وصفا للمضاف إليه (الرب) لا المضاف، في آية أخرى وقال سبحانه: * (تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام) *، ومن المعلوم أن الاسم ليس صاحب هذا الوصف، وإنما صاحبه هو نفس الرب، وسيوافيك توضيح وافر عند البحث عن كونه سبحانه ليس بجسم في الصفات السلبية.
وهناك كلمة مروية عن الرسول الأعظم وهي: " إن الله خلق آدم على صورته " فاستدل به المشبهة على أن لله سبحانه صورة وخلق آدم على طبقها. ولكن القوم لو رجعوا إلى أئمة أهل البيت لوقفوا على أن الحديث نقل مبتورا، فقد روى الصدوق بسنده عن علي (عليه السلام) قال: " سمع النبي رجلا يقول لرجل:
قبح الله وجهك ووجه من يشبهك. فقال (صلى الله عليه وآله): مه، لا تقل هذا، فإن الله خلق آدم على صورته " (1).
أي على صورة هذا الرجل الذي تسبه وتسب من يشبهه وهو آدم.