من غير فقه ولا فهم لمراد الله ورسوله منها. فإن الإيمان بالألفاظ وتفويض معانيها إلى الله سبحانه بمنزلة القول بأن الله تعالى خاطبنا عبثا، لأنه خاطبنا بما لا نفهم، والله يقول: * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) * (1).
أقول: إن لأهل التفويض عذرا واضحا في هذا المجال، فإنهم يتصورون أن الآيات المشتملة على الصفات الخبرية، من الآيات المتشابهة، وقد نهى سبحانه عن ابتغاء تأويلها وأمر عباده بالإيمان بها. فقال سبحانه: * (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العالم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب) * (2). فلا عتب عليهم إذا أعرضوا عن تفسيرها وفوضوا معانيها إليه سبحانه. نعم، الإشكال في عدم كون هذه الآيات من الآيات المتشابهة، فإن المفاد فيها غير متشابه إذا أمعن فيها الإنسان المتجرد عن كل رأي سابق، كما سيوافيك بيانه.
والعجب أن ما عابوا به أصحاب التفويض وارد عليهم أيضا، فإن إثبات الصفات الخبرية بمعانيها الحرفية التي تتبادر عند إيرادها مفردة، مع حفظ التنزيه، تجعلها ألفاظا بلا معان واضحة. لأن الكيفية المتبادرة من هذه الصفات هي المقومة لمعانيها فإثبات مفاهيمها الحرفية مع سلب كيفياتها أشبه بإثبات الشئ في عين سلبه. فعندئذ تنقلب الآيات البينات الدالة على أشرف المعاني وأجلها إلى آيات غير مفهومة ولا معقولة. وكأن الله تعالى خاطبهم وهم أميون لا يعلمون من الكتاب إلا أماني.