المفردات ظهورا آخر. وقد يتحد الظهوران وقد يتخالفان. فلا شك أنك إذا قلت " أسد "، فإنه يتبادر منه الحيوان المفترس. كما أنك إذا قلت " رأيت أسدا في الغابة " يتبادر من الجملة نفس ما تبادر من المفرد.
وأما إذا قلت " رأيت أسدا يرمي " فإن المتبادر من الأسد في كلامك غير المتبادر منه حرفيا وانفرادا وهو الحيوان المفترس بل يكون حمله عليه، حملا على خلاف الظاهر. وأما حمله وتفسيره بالبطل الرامي عند القتال فهو تفسير للجملة بظاهرها من دون تصرف وتأويل.
ولو سمع عربي صميم قول الشاعر:
لدى أسد شاك السلاح مجرب * له لبد، أظفاره لم تقلم فلا يشك في أن المراد من الأسد هو البطل المقدام المقتحم لجبهات القتال لا الحيوان المفترس. وكذا لو سمع قول القائل:
أسد علي وفي الحروب نعامة * فتخاء تنفر من صفير الصافر لا يتردد في نفسه بأن المراد هو الإنسان المتظاهر بالشجاعة أمام الضعفاء، الخائف المدبر عند لقاء الأبطال. فلا يصح لنا أن نتهم من يفسر البيتين بالإنسان الشجاع أو المتظاهر به، بأنه من المؤولة. بل هو من المثبتين للمعنى من دون تأويل ولا تحوير.
فالواجب علينا هو الوقوف على المفاد التصديقي وإثباته لله سبحانه لا الجمود على المعنى الحرفي التصوري، وإثباته أو نفيه عن الله سبحانه. ولو أن القوم بحثوا عن مفاد الآيات، مجردين عن الآراء المسبقة، لوقفوا على الظاهر التصديقي وأثبتوه لله سبحانه من دون أن يكون هناك وصمة تأويل وتصرف أو مغبة تجسيم وتشبيه.
ولأجل إراءة نموذج من هذا النمط من البحث نركز على موارد مما وقع