ومبتورة. لأن الحوادث حلقات مترابطة متسلسلة في سلسلة ممتدة، فما يقع الآن منها يرتبط بما وقع في أعماق الماضي وبما سيقع في المستقبل في سلسلة من العلل والمعاليل والأسباب والمسببات.
ومن هنا لا يصح القضاء على ظاهرة من الظواهر بحكم مع غض النظر عما سبقها، وما يلحقها، بل القضاء الصحيح يتحقق بتقييمها جملة واحدة والنظر إليها نظرا كليا لا جزئيا. فإن كل حادثة على البسيطة أو في الجو ترتبط ارتباطا وثيقا بما سبقها أو يلحقها من الحوادث. حتى إن ما يهب من النسيم ويعبث بأوراق المنضدة التي أمامك يرتبط ارتباطا وثيقا بما حدث أو سيحدث في بقاع العالم. فلا بد للمحقق أن يلاحظ جميع الحوادث بلون الارتباط والتشكل. فعند ذاك يتغير حكمه ويتبدل قضاؤه ولن يصف شيئا بالشذوذ ولن يسم شيئا بأنه من الشرور.
إذا عرفت هذين الأمرين فلنأت ببعض الأمثلة التي لها صلة بهما:
1 - إذا وقعت عاصفة على السواحل فإنها تقطع الأشجار وتدمر الأكواخ وتقلب الأثاث، فتوصف عند ساكني الساحل بالشر والبلية، ولكنها في الوقت نفسه تنطوي على آثار حيوية لمنطقة أخرى.
فهي مثلا توجب حركة السفن الشراعية المتوقفة في عرض البحر بسبب سكون الريح. وبهذا تنقذ حياة المئات من ركابها اليائسين من نجاتهم، وتوصلهم إلى شواطئ النجاة، فهي موصوفة عند ركاب السفينة بالخير.
2 - إن الرياح وإن كانت ربما تهدم بعض المساكن إلا أنها في نفس الوقت تعتبر وسيلة فعالة في عملية التلقيح بين الأزهار وتحريك السحب المولدة للمطر وتبديد الأدخنة المتصاعدة من فوهات المصانع والمعامل التي لو بقيت وتكاثفت لتعذرت أو تعسرت عملية التنفس لسكان المدن والقاطنين حول تلك المصانع. إلى غير ذلك من الآثار الطيبة لهبوب الرياح، التي تتضاءل عندها بعض الآثار السيئة أو تكاد تنعدم بالمرة.