ذلك، قال: لا بأس، ما من أحد إلا وهو يحب أن يظهر الله له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك ". وهذان الخبران بإطلاقهما يدلان على نفي البأس بالسرور لأجل المقاصد المذكورة، ويخصص منهما ما هو المذموم من الفرح الحاصل من اطلاع الناس، وإن كان قصده الإخفاء أولا، وهو أن يكون فرحه لقيام منزلته في قلوب الناس حتى يمدحوه ويعظموه ويقوموا بحوائجه، وإنما يخصص ذلك منهما مع شمول إطلاقهما له أيضا لمعارض أقوى.
هذا وقد تقدم أن قصده أولا - أي في حال عقد الطاعة - اطلاع الناس عليه وارتياحه به لأحد المقاصد المذكورة لا بأس به أيضا، فعدم البأس لا يختص بطرو القصد والارتياح بعد العقد أو بعد تمام العمل.
ثم كما لا بأس بالسرور من ظهور الطاعات للمقاصد المذكورة، فكذلك لا بأس بكتمان المعاصي واغتمامه باطلاع الناس عليها لأسباب نذكرها، بل الحق رجحان الكتمان ومزيته بعد ارتكابها، وإن كان الأصل في الإخلاص استواء السريرة والعلانية. ولذا قال بعض الأكابر: " عليك بعمل العلانية وهو ما إذا ظهر لم تستح منه ". وقال بعضهم: " ما عملت عملا أبالي أن يطلع الناس عليه إلا إتياني أهلي والبول والغائط ". إلا أن ذلك درجة عظيمة ليست شرعة لكل وارد، ولا يصل إليها إلا واحد بعد واحد. إذ كل إنسان - إلا من عصمه الله - لا يخلو من ذنوب باطنة، (لا) سيما ما يختلج بباله من الأماني الباطلة والأمور الشهوية، والله مطلع عليها وهي مخفية عن الناس، والسعي في إخفائها وكراهة ظهورها جائز بل راجح، بشرط ألا يكون باعث إخفائها قصد أن يعتقدوا فيه الورع والصلاح، بل كان الباعث:
1 - إما كون السر مأمورا به.
2 - أو كون الهتك وإظهار المعاصي منهيا عنه. قال رسول الله (ص):
" من أرتكب شيئا من هذه القاذورات فليستره بستر الله تعالى ". ويعرف صدق ذلك بكراهة ظهورها عن الغير، أو كون ستر الله عليه في الدنيا دليلا على ستره في الآخرة، لما ورد في الخير: " أن من ستر الله عليه في الدنيا ستر الله عليه في الآخرة ".