لا قوام له بذاته، بل هو قائم به، وليس له معية بالوجود بالنسبة إليه تعالى، إذ المعية توجب المساواة في الرتبة، وهي نقصان في الكمال، إذ الكامل الحقيقي من لا نظير له في الوجود، والكمال بوجه من الوجوه وإن كان لغيره وجود وكمال بعد كونه صادرا منه معلولا له، إذ تحقق الموجودات وذوات الممكنات لا يوجب نقصانا في ذاته سبحانه بعد استنادها جميعها إليه، وكونها أضعف منه بمراتب غير متناهية في الوجود والكمال شدة وقوة، فكما إن إشراق نور الشمس في أقطار الآفاق ليس نقصانا في الشمس، بل هو من جملة كمالها، وإنما نقصانها بوجود شمس أخرى مساوية لها في الرتبة مستغنية عنها، فكذلك وجود كل ما في العالم إذا كان من أشراق نور القدرة الإلهية تابعا لها، لم يكن ذلك نقصانا في الواجب سبحانه، بل كان كمالا له.
ولما علم ذلك، وتيقن بأن التفرد بالوجود والكمال والاستيلاء التام على جميع الأشياء لا يليق به، لأنه عبد مملوك مقهور تحت القدرة الإلهية، عرف أنه عاجز عن درك منتهى الكمال الذي هو التفرد بالوجود والاستيلاء أي كون وجود غيره منه. إلا أنه لم تسقط شهوته للكمال، بل هو محب له ملتذ به لذاته لا لمعنى آخر وراء الكمال، وطالب لتحصيل ما يتمكن منه. فمطلق الكمال محبوب عنده، إلا أن طلبه إنما يتعلق بالكمال الممكن في حقه ومن الكمال الممكن في حقه أن يحصل له نوع استيلاء على كل الموجودات، فكان ذلك محبوبا عنده ومطلوبا له. ولما كانت الموجودات منقسمة إلى ما لا يقبل التغير، كذات الواجب وصفاته وعالم المجردات، وإلى ما يقبل التغيير ولكن لا تستولي عليه قدرة الخلق بالتصرف، كالأفلاك والكواكب وملكوت السماوات ونفوس الملائكة والجن والشياطين والجبال والبحار وغير ذلك، وإلى ما يقبل التغير وتستولي عليه قدرة العباد، كالأرض وأجزائها وما عليها من المعادن والنبات والحيوان، ومن جملتها قلوب الآدميين ونفوسهم لكونها قابلة للتغيير والتأثير مثل أجسادهم وأجساد سائر الحيوانات - فلم يكن للانسان أن يتصور إمكان استيلائه على الكل بالتصرف فيه، فلم يتعرض لطلب ذلك، بل أحب في كل منها نوع الاستيلاء