سمعت من فلان فيك من الخير كذا وكذا، خلاف ما سمعت منه (37). وقد تقدمت أخبار أخر في هذا المعنى.
وهذه الأخبار وإن اختصت بالمقاصد الثلاثة، إلا أن غيرها من المقاصد الضرورية التي فوقها أو مثلها في المصلحة يلحقها من باب الأولوية أو اتحاد الطريق. والأخبار التي وردت في ذم هتك السر وكشف العيوب والفواحش تفيد وجوب القول بعدم الاطلاع، وإن كان مطلعا مع كونه كذبا، فلا إثم على أحد بصدور الكذب عنه إذا كان وسيلة إلى شئ من المقاصد الصحيحة الضرورية له أو لغيره من المسلمين، فإن أخذه ظالم وسأله عن ماله فله أن ينكر، وأخذه سلطان وسأله عن فاحشة ارتكبها بينه وبين الله فله أن ينكر وإن سئل عما يعلمه عن عيب أخيه وسره فله أن ينكر ولو وقع بين اثنين فساد فله أن يكذب، توسلا إلى الإصلاح بينهما وكذا يجوز له للإصلاح بين الضرات من نسائه أن يظهر لكل واحدة أنها أحب إليه، وإن كانت امرأته لا تطيعه إلا بوعد ما لا يقدر عليه، يجوز أن يعدها في الحال تطييبا لقلبها وإن لم يكن صادقا في وعده. ويلحق بالنساء الصبيان، فإن الصبي إذا لم يرغب فيما يؤمر به من الكتابة وغيرها إلا بوعد أو وعيد وتخويف، كان ذلك جائزا، وإن لم يكن في نيته الوفاء به. وكذا لو تكدر منه إنسان، وكان لا يطيب قلبه إلا بالاعتذار إليه، بإنكار ذنب وإظهار زيادة تودد، كان ذلك جائز وإن لم يكن صدقا.
والحاصل: أن الكذب لدفع ضرر أو شر أو فساد جائز، بشرط صحة القصد. وقد ورد: أن الكذب المباح يكتسب ويحاسب عليه التصحيح قصده، فإن كان قصده صحيحا يعفى عنه، وإلا يؤاخذ به. فينبغي أن يجتهد في تصحيح قصده، وأن يحترز عنه ما لم يضطر إليه، ويقتصر فيه على حد الواجب، ولا يتعدى إلى ما يستغني عنه.
ولا ريب في أن ما يجب ويضطر إليه هو الكذب لأمور في فواتها