قال: ما كان إبراهيم سقيما، وما كذب، إنما عني سقيما في دينه، أي مرتادا ".
وطريق التعريض والتورية: أن يخبر المتكلم المخاطب بلفظ ذي احتمالين أحدهما غير مطابق للواقع وأظهر في المقام، فيحمله المخاطب عليه، وثانيهما مطابق له يريده المتكلم، كما ظهر من خبر الاحتجاج. ومن أمثلته: أنه إذا طلبك ظالم وأنت في دارك ولا تريد الخروج إليه، أن تقول لأحد أن يضع إصبعه في موضع ويقول: ليس ههنا. وإذا بلغ عنك شئ إلى رجل، وأردت تطييب قلبه من غير أن تكذب، تقول له: إن الله ليعلم ما قلت من ذلك من شئ، على أن يكون لفظة (ما) عندك للابهام، وعند المستمع للنفي.
وقد ظهر مما ذكر: إن كل تعريض لغرض باطل كالتصريح في عدم الجواز، لأن فيه تقريرا للغير على ظن كاذب. نعم، قد تباح المعاريض لغرض خفيف، كتطييب قلب الغير بالمزاح، كقول النبي (ص): " لا تدخل الجنة عجوز " و " في عين زوجك بياض " و " نحملك على ولد بعير "...
وقس عليه أمثال ذلك.
ومن الكذب الذي يجوز ولا يوجب الفسق، ما جرت به العادة في المبالغة، كقولك: قلت لك كذا مائة مرة، وطلبتك مائة مرة، وأمثال ذلك لأنه لإيراد بذلك تفهيم المرات بعددها، بل تفهيم المبالغة. فإن لم يكن طلبه إلا مرة واحدة كان كاذبا، وإن طلبه مرات لا يعتاد مثلها في الكثرة فلا يأثم، وإن لم تبلغ مائة.
ومن الكذب الذي لا إثم عليه ما يكون في أنواع المجاز والاستعارات والتشبيهات، إذ الغرض تفهيم نوع من المناسبة والمبالغة، لا دعوى الحقيقة والمساواة من جميع الجهات.
ومن الكذب الذي جرت العادة به، ويتساهل فيه، قول الرجل إذا قيل له: كل الطعام: (لا أشتهيه)، مع كونه مشتهيا له. وهذا منهي عنه كما تدل عليه بعض الأخبار، إلا إذا كان فيه غرض صحيح، وما جرت العادة به قول الرجل: (الله يعلم) فيما لا يعلمه، وهو أشد أنواع الكذب، قال عيسى (ع): " إن من أعظم الذنوب عند الله أن يقول العبد: