في مقام بيان الكذب. وأما الضد العام للكل، فقد يأتي في موضعه مع ما يدل بعمومه على ذم جميع آفات اللسان، فهنا نشير إلى بيان المدح وما يحمد منه، حتى يكون ضدا لها وفضيلة للقوة الغضبية أو الشهوية، وما يذم منه حتى يكون رذيلة لإحداهما، فنقول:
لا ريب في أن مدح المؤمن في غيبته وحضوره ممدوح مندوب إليه، لكونه إدخالا للسرور عليه، وقد علم مدحه وثوابه، ولما ورد من أن رسول الله (ص) أثنى على أصحابه، وأنه قال لجماعة - لما أثنوا على بعض الموتى -: " وجبت لكم الجنة، وأنتم شهداء الله في الأرض ". ولما ورد من " أن لبني آدم جلساء من الملائكة، فإذا ذكر أحد أخاه المسلم بخير، قالت الملائكة: ولك مثله، وإذا ذكره بسوء، قالت الملائكة:
يا ابن آدم المستور عورته، أربع على نفسك! وأحمد الله إذ ستر عورتك " ولكنه ليس راجحا مندوبا على الإطلاق، بل إذا سلم من آفاته، وهي أن يكون صدقا لا يفرط المادح فيه، بحيث ينتهي إلى الكذب، وألا يكون المادح فيه مرائيا منافقا، بأن يكون غرضه إظهار الحب مع عدم كونه محبا في الواقع سواء كان صادقا فيما ينسبه إليه من المدح أم لا، وألا يمدح الظالم والفاسق وإن كان صادقا فيما يقول في حقه، لأنه يفرح بمدحه، وإدخال الفرح على الظالم أو الفاسق غير جائز، قال رسول الله (ص):
" إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق ". فالظالم الفاسق ينبغي أن يذم ليغتم ولا يمدح ليفرح، وألا يقول ما لا يتحققه ولا سبيل له إلى الاطلاع عليه.
وهذه الآفة إنما تتطرق في المدح، بالأوصاف المطلقة والخفية، كقولك:
إنه تقي ورع زاهد خير، أو قولك: إنه عدل رضي، وأمثال ذلك، لتوقف الصدق في ذلك على قيام الأدلة والخبرة الباطنة، وتحققهما في غاية الندرة. فالغالب أن المدح بأمثال ذلك يكون من غير تحقق وثبت، وألا يحدث في الممدوح كبرا أو إعجابا يوجبان هلاكه، ولا رضى عن نفسه وجب فتوره عن العمل، إذ من أطلقت الألسنة بالثناء عليه يرضى عن نفسه ويظن أنه قد أدرك، وهذا يوجب فتوره عن العمل، إذ المتشمر له إنما هو من يرى نفسه مقصرا، ولذلك قال رسول الله (ص) لرجل مدح بحضرته