لطلب نوع منزلة في قلوب الناس، ويتوقع التعظيم والتوقير وقضاء الحوائج منهم ووجدان الاستبعاد من نفسه لو قصر في احترامه، كأن نفسه تتقاضى الاكرام والاحترام على الطاعة التي أخفاها مع أنه لم يطلع عليه أحد.
ولا شك أن هذا التقاضي لا ينفك عن شوب خفي من الرياء أخفى من دبيب النمل، ولو كان عنده وجود الطاعة كعدمها في كل ما يتعلق بالخلق وقنع بعلم الله فيها لم يكن لهذا التوقع وجه. فعلامة خلوص العمل من الرياء ألا يجد تفرقة بين أن يطلع على عبادته إنسان أو بهيمة، ومهما وجد تفرقة في ذلك فلا يكون منفكا عن توقع ما (عن) (35) الناس في طاعته، وذلك مما يحبط العمل. قال أمير المؤمنين (ع): " إن الله تعالى يقول للفقراء يوم القيامة: ألم يكن يرخص عليكم السعر؟ ألم تكونوا تبدأون بالسلام؟
ألم تكونوا تقضى لكم الحوائج؟ فلا أجر لكم، قد استوفيتم أجوركم! ".
فصل كيف يفسد الرياء العمل لو عقد العمل على الإخلاص واستمر إلى الفراغ، لم يحبطه السرور بظهوره بعده، لا من قبله كما دل عليه بعض الظواهر السالفة. ولا يعصى به أيضا إن كان لأجل أحد المقاصد السالفة، ويكتب له معصية إن كان لظنه حصول منزلة له في القلوب. ولو كان ظهوره بعده من نفسه بالتحدث مع الرغبة والسرور بذلك، فربما قيل بإحباطه العمل، إذ حب التحدث به يدل على أن قلبه عند العبادة لم يخل عن عقد خفي من الرياء. وقد أيد ذلك بما روي: " أن رجلا قال للنبي (ص): إني صمت الدهر. فقال صلى الله عليه وآله: لا صمت ولا أفطرت! ". وما روي: " أن ابن مسعود سمع رجلا يقول: قرأت البارحة سورة البقرة. فقال: ذلك حظه منها ".
والظاهر أنه لا يحبط عمله، بل يثاب عليه، وإن عوقب على ما صدر منه بعد الفراغ من الرياء. والتعليل لو تم لا يفيد البطلان، إذ العقد الذي لم يشعر به صاحبه لا يؤاخذ به، وإلا لزم التكليف بالمحال. والخبر لو صح