كل ماء جار لا ينجسه شئ وخبر دعائم الاسلام عن علي (ع) في الماء الجاري يمر بالجيف والعذرة والدم يتوضأ منه ويشرب وليس ينجسه شئ ما لم يتغير أوصافه طعمه ولونه وريحه * (ويؤيده) * أيضا الأخبار المستفيضة النافية للبأس عن البول في الماء الجاري وصحيحة ابن مسلم الواردة في الثوب الذي يصيبه البول وان غسلته في ماء جار فمرة إذ لو كان ملاقاة الماء للنجاسة سببا لتنجسه لكان على الإمام (ع) التنبيه عليه في مثل هذه الفروض ولو لم يكن مقصودا بالسؤال هذا إذا لم نقل باعتبار ورود الماء القليل في تطهير الثوب النجس والا فالصحيحة الأخيرة باطلاقها مثبتة للمطلوب ودعوى انصراف مثل هذه الأخبار عن العيون التي لا يكون مائها كرا ممنوعة وعلى تقدير تسليم الانصراف فهو بدوي منشأه انس الذهن يرتفع بعد ملاحظة كثرة العيون الصغيرة بل أكثريتها بمراتب خصوصا لو اعتبرنا في اعتصام الكر تساوى السطوح كما لا يخفى * (ويدل) * على عدم تنجس الجاري بل مطلق المياه التي لها مادة متصلة ولو لم يكن لها جريان فعلى لضعفها التعليل في صحيحة ابن بزيع ماء البئر واسع لا يفسده شئ الا ان يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب الطعم لان له مادة لان التعليل اما راجع إلى الفقرة الأولى فيدل على عدم انفعال كل ذي مادة بما عدا التغير * (واما) * راجع إلى الفقرة الثانية فيدل على أن وجود المادة علة الطهارة الماء مطلقا بعد زوال تغيره فيستفاد منه عدم انفعاله بمجرد الملاقاة لا لمجرد دعوى أن الدفع أهون من الرفع فيدل عليه بالأولوية القطعية حتى يمكن الخدشة فيها بالنسبة إلى الأحكام التعبدية بل لان هذا لا يجتمع مع انفعال قليله بالملاقاة توضيحه انه يستفاد من العلة المنصوصة حصول الطهارة لكل ذي مادة متغير بعد زوال تغيره فإذا فرضنا ان مجموع الماء أقل من الكر وتغير بعضه بالنجاسة فلا محالة يتنجس البعض الاخر أيضا بملاقاة النجاسة على القول باشتراط الكرية وكذا كل ما يخرج من المادة أيضا على هذا التقدير بسبب ملاقاة المتنجس و [ح] لا يعقل ان يكون وجود المادة علة لارتفاع نجاسة المتغير بعد زوال تغيره لان اتصاله بغير المتغير المتنجس علة تامة لانفعاله فلا يعقل طهارته ما دامت العلة موجودة وإن شئت مثالا أوضح فافرض بقاء عين النجاسة فيه بعد زوال التغير هذا مع أن الذي يقتضيه التدبر في مفاد الرواية اختصاص التعليل بالفقرة الأولى وهي قوله ماء البئر واسع فلا حاجة في اثبات المطلوب إلى المقدمة الخارجية بيان ذلك أن التعبير عن الطهارة بقوله واسع وتأكيده ثانيا بقوله لا يفسده واستثنائه حالة التغير عنه واقتصاره في بيان ما يزيل اثر التغير على الامر بالنزح الموجب لزوال نفس التغير من دون تنصيصه على أنه يطهر بعد ذلك بل ايكاله معرفة الحكم إلى ما استفيد من أول الكلام من أعظم الشواهد على أن المراد من الرواية بيان ان ماء البئر بالذات يأبى عن الانفعال وانه بالطبع غير قابل للتنجس الا ان يتغير فيمنعه التغير عن اقتضائه الذاتي فإذا زال التغير بالنزح يعود الماء إلى حالته الأولى فيستفاد من الرواية على ما يشهد به سياقها ويساعد عليه الفهم العرفي حكمان أحدهما ان ماء البئر في غير حال التغير واسع مطلقا سواء كان قبل أن يتغير أم بعده والثاني ان التغير موجب لعروض النجاسة واستمرارها إلى أن يزول التغير بالنزح فليست الطهارة بعد زوال التغير وقبل حدوثه حكمين مستقلين حتى يحتاج حدوث ثانيهما إلى تعليل مستقل وهذا هو السر في استفادة حكم ما بعد التغير من الرواية والا فليس في اللفظ ما يدل عليه فلاحظ وتدبر و كيف كان فقد نوقش في دلالة الرواية باحتمال رجوع التعليل فيها إلى ترتب ذهاب الريح وطيب الطعم على النزح لان هذا الترتب مستند إلى المادة فيكون بمنزلة قول الرجل لازم غريمك حتى يوفيك حقك فإنه يكره ملازمتك * (وفيه) * ان هذا الاحتمال في غاية الوهن لان ارجاع العلة في القضايا المعللة إلى الاسنادات الضمنية الغير المقصودة بالذات خلاف الظاهر مع احتياجه إلى ارتكاب التأويل بتقدير جملة خبرية واما في المثال فإنما هو لوجود القرينة وهي عدم صلاحية كونها علة للاسناد التام هذا مع أن المقصود بالأصالة في المثال انما هو استيفاء الحق فلا بأس بارجاع التعليل إليه وهذا بخلاف ما نحن فيه فان ذهاب الريح وطيب الطعم غير مقصودين بالذات فلا يحسن ارجاع التعليل إليهما مع صلاحيته لان يكون علة للحكم الذي سيق الكلام لبيانه مضافا إلى أن ترتب ذهاب الريح وطيب الطعم على النزح بديهي لا يحتاج إلى الاستدلال بل ذكر الدليل له مع أنه واضح مستهجن عرفا خصوصا مع عدم مدخليته في الحكم الشرعي الذي يكون بيانه من وظيفة الإمام (ع) هذا كله مع أن المادة بنفسها ليست علة لذهاب الريح وطيب الطعم لأنهما مسببان عن اخراج الماء الفاسد واستهلاك ما يبقى منه في الماء الذي يخرج من المادة من دون خصوصية لها في ذلك فجعلها علة لهما مبنى على ضرب من التأويل والمسامحة وهذا بخلاف ما لو جعلناها علة لكون ماء البئر واسعا فإنها بنفسها هي العلة التامة للحكم فهي أوفق بظاهر التعليل وكفى لمثل هذه الاحتمالات وهنا ومخالفة للظاهر اختصاص ابدائها بالمتأخرين وعدم اعتناء من سبقهم انها أو غفلتهم عنها حجة العلامة العمومات الدالة على انفعال ما دون الكر الشاملة باطلاقها للجاري وغيره وفيه أولا انه سيتضح لك ان عمدة ما يستفاد منه العموم مفهوم بعض الأخبار كقوله (ع) في المعتبرة المستفيضة إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه شئ وهذه الأخبار في حد ذاتها لا يبعد دعوى انصراف منطوقها إلى الماء المجتمع الراكد خصوصا مع ما في بعضها مما يشهد بذلك كصحيحة ابن مسلم قال قلت له الغدير فيه ماء مجتمع تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب قال إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه شئ وهذا الانصراف وان كان بدويا بالنسبة إلى أكثر اخبار
(٨)