وما يمكن ان يستدل به لهذا الوجه تعليق الحكم في بعض الأخبار بغلبة ريح الجيفة على الماء مثل خبر سماعة عن أبي عبد الله (ع) عن الرجل يمر بالماء وفيه دابة ميته قد انتنت قال إذا كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ ولا تشرب وفيه أنه جار مجرى العادة وليس له ظهور ينافي المطلقات كيف ولو كان المدار على ظهور وصف النجاسة في الماء للزم الحكم بطهارة الماء الذي وقع فيه الجيفة أو غيرها من النجاسات المغيرة للماء بالخاصية لا بتفتت اجزائها الا بعد العلم بمماثلة صفة الماء والنجس وهو غير حاصل غالبا في مثل الفرض مما كان التغيير فيه بالخاصية لجواز تخلفها في الكيفية فيرجع على تقدير الشك كما هو الغالب بالنسبة إلى الطعم إلى قاعدة الطهارة مع أنه لا يكاد يرتاب أحد في مخالفته لما أريد من الاخبار فضلا عن ظاهرها فلو حدث في الماء صفرة لوقوع قليل الدم فيه ينجس على الأقوى والله العالم * (ولا) * يكفي في انفعاله التغير التقديري كما عن المشهور بل يعتبر ان يكون فعليا لإناطة الحكم به في ظواهر الأدلة وهو عبارة عن تبدل كيفية الماء بالفعل فلو وقع فيه مقدار من النجس بحيث لو لم يكن موافقا له في الصفة لا نفعل لا ينجس من دون فرق بين ان يكون المانع عن التغيير اتحادهما في الأوصاف ذاتا بمقتضى طبيعتهما النوعية كالماء الصافي مع البول أو في خصوص شخص باعتبار صفته الأصلية كماء النفط والكبريت الموافق لبعض النجاسات في صفتها أو لعارض في النجس كما لو أزيل صفته بهبوب الرياح أو في الماء كما لو صبغ بطاهر احمر فأريق فيه الدم فالأظهر عدم انفعال الماء في جميع الصور خلافا للمحكى عن العلامة وجماعة ممن تأخر عنه قال في محكى القواعد والمنتهى لو وافقت النجاسة الماء في صفاته فالأقرب الحكم بنجاسة الماء ان كان يتغير بمثلها على تقدير المخالفة وإلا فلا ويحتمل عدم التنجيس لعدم المقتضى وهو التغير انتهى وربما يوجه هذا القول بان نجاسة الماء مسببة عن غلبة النجاسة الواقعة فيه بمعنى ان الشارع جعل غلبة النجاسة سببا لانفعال الجاري والتغير كاشفا عنه والمانع انما يمنع عن ظهور وصف التغير لا عن تأثير ما هو علة تامة للتنجيس فإذا أحرز وجوده بامارة أخرى كما هو المفروض نحكم بثبوت اثره ولو لم يحصل تغيير بالفعل * (وفيه) * ان الظاهر من الاخبار كون التغير بنفسه مؤثرا في التنجس لا انه كاشف عن وجود المؤثر ثم إن مراده من هذه العبارة بيان الحكم في غير الصورة الأخيرة حيث إن مفروضه ما لو وافقت النجاسة الماء في صفاته الأصلية فلا وجه لما أورده عليه جامع المقاصد فيما حكى عنه من أن حق العبارة أن يقول لو وقعت نجاسة مسلوبة الصفات لان موافقة النجاسة للماء في الصفات صادقة على نحو الماء المتغير بطاهر احمر إذا وقع فيه دم فيقتضى ثبوت التردد في تقدير المخالفة في هذه الصورة وينبغي القطع بوجوب التقدير حينئذ لان التغير منا تحقيقي غاية الأمر انه مستور عن الحسن انتهى ثم إن مقتضى هذه العبارة كعبائر غير واحد من المتأخرين انه ينبغي القطع بنجاسة الماء في الصورة الأخيرة وفي المدارك بعد أن رجح القول باعتبار التغير الحسى مستدلا بان التغير حقيقة في الحسى لصدق السلب بدونه واللفظ انما يحمل على حقيقة قال فرع لو خالفت النجاسة الجاري في الصفات لكن منع من ظهورها مانع كما لو وقع في الماء المتغير بطاهر احمر دم مثلا فينبغي القطع بنجاسة لتحقق التغير حقيقة غاية الأمر انه مستور عن الحس وقد نبه على ذلك الشهيد في البيان انتهى وفي الحدائق بعد أن رجح ظاهرا انفعال الماء لو وقعت فيه نجاسة مسلوبة الصفات قال لو اشتمل الماء على صفة تمنع من ظهور التغير فيه كما لو تغير بجسم طاهر يوافق لونه لون النجاسة كتغيره بطاهر احمر ثم وقع فيه دم فالذي قطع به متأخروا الأصحاب من غير خلاف ظاهر معروف في الباب هو وجوب تقدير خلوا الماء عن ذلك الوصف ثم قال وكأنهم لحظوا في الفرق بين هذا الموضع وبين ما لو كانت النجاسة مسلوبة الأوصاف حيث أوجبوا التقدير هنا دون هناك ان المراد بالتغير هو التغير الحسى كما تقدم والتغير هنا ظاهر حسا لو خلينا وذات الماء وذات النجاسة بخلاف ما هناك لكون النجاسة عارية عن الأوصاف * (وفيه) * ان خلوا النجاسة عن الأوصاف لا يخرجها عن تنجيس ما يلاقيه والمنجس ليس أوصافها وانما المنجس عينها انتهى وفيه ما عرفت من أن مقتضى ظواهر الاخبار ان للتغير الفعلي مدخلية في ثبوت الحكم الشرعي التعبدي وليس في العقل ما يحيله فلا مقتضى لرفع اليد عن ظواهر الاخبار وارتكاب التأويل فيها واما ما ذكروه من أن التغير في الفرض الأخير موجود حقيقة غاية الأمر انه مستور عن الحس ففيه انه بعد فرض تساويهما في اللون يستحيل انفعال أحدهما بالاخر كما لو وقع قطرة دم في اناء مملو من الدم فإنه لا يعقل ان يكتسب أحد المتلاقيين من الاخر لونه لان التأثر من الاخر فرع قابلية المحل وعدم اشتغاله بمثل اثر الاخر والا يلزم اجتماع المثلين في موضوع واحد نعم لو كان أحدهما أشد لونا من الاخر يحصل للمجوع بعد الامتزاج لون وسط فيتحقق التغير في هذا الفرض بشهادة العقل فإن كان التفاوت بين لون الماء قبل الامتزاج وبعده بينا بحيث يدركه العرف فلا شبهة في انفعاله وإلا فلا إذ ليس المدار على التغير الحقيقي المستور عن الحس والا يجب ان يحكم بنجاسة حوض كبير وقع فيه قطرة دم مستهلكه لكونها مؤثرة في تغير لون الماء وطعمه بحكم العقل غاية الأمر ان اثرها ليس بحيث يدركه الحس فالأقوى طهارة الماء [مط] في جميع الصور الا ان يحصل له تغيير حسى بحيث يشهد بوجوده العرف * (وربما) * يستدل للنجاسة في الصورة الأخيرة بوجوه ضعيفة اقويها ان الجسم الطاهر الواقع في الماء لو لم يوجب ضعفه لا يوجب فوته قطعا وهو لا يقتضى منع النجاسة عن التأثير بداهة فالمقتضى للتنجيس موجود والمانع لا يصلح مانعا إلا عن التغير لا عن الانفعال فيجب الحكم بنجاسته عقلا وفيه أنه انما يتم لو كان السبب في نجاسة الماء اختلاطه بمقدار من النجاسة يقتضى
(١١)