وقد تحقق بما قدمناه في تفسير آية الخمر والميسر: أن الخمر كانت محرمة في أول البعثة، وكان من المعروف عن الدين أنه يحرم الخمر والزنا. على أن الخمر والميسر من الاثم بنص آية البقرة: (يسألونك عن الخمر والميسر، قل فيهما إثم كبير) الآية 219. والاثم محرم بنص آية الأعراف: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والاثم والبغي) الأعراف الآية 33. والأعراف من العتائق النازلة بمكة، فمن الممتنع: أن يشير النبي (ص) بالمقامرة.
وعلى تقدير تأخر الحرمة إلى آخر عهد النبي (ص)، يشكل قوله لأبي بكر، لما أتى بالخطر إليه: إنه سحت. ثم قوله: تصدق به، فلا سبيل إلى تصحيح شئ من ذلك بالموازين الفقهية. وقد تكلفوا في توجيه ذلك بما يزيد الامر إشكالا.
ثم إن ما في الرواية: أن الفرس كانوا عبدة أوثان، لا يوافق ما كان عليه القوم، فإنهم وإن كانوا مشركين، لكنهم كانوا لا يتخذون أوثانا (1).
هذا كله عدا عن أن قول النبي (ص) لأبي بكر: إنه سحت، يدل على أن القمار كان محرما، ولولا ذلك لم يكن المأخوذ به سحتا. مع أن المدعى هو أن التحريم كان بعد بدر والحديبية معا، لان التحريم قد جاء في سورة المائدة النازلة بعد ذلك حسب زعمهم.
تتميم وتعقيب: ونقول: إن كلام سيدنا العلامة هنا صحيح، إلا أنه يمكن الإجابة على الفقرة الأخيرة من كلامه، فيقال: إن عبارة الرواية، هكذا: " كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم، لانهم أصحاب أوثان. وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على الفرس، لانهم أصحاب كتاب ".