فقلبته وبكيت فأجلسني بين يديه فحدثته بشأني كله كما حدثتك يا ابن عباس فأعجبه ذلك وأحب ان يسمع أصحابه.
رواية الحاكم سبب اسلامه وروى الحاكم في المستدرك خبر سبب اسلامه بما يخالف ما مر ويناقضه فروى بسنده عن زيد بن صوحان ان رجلين من أهل الكوفة كانا صديقين لزيد أتياه ليكلم لهما سلمان أن يحدثهما كيف كان اسلامه فلقوا سلمان وهو بالمدائن أميرا عليها فوجدوه على كرسي وبين يديه خوص وهو يسفه فسلمنا وقعدنا فقال له زيد يا أبا عبد الله ان هذين لي صديقان ولهما أخ وقد أحبا ان يسمعا كيف كان بدؤ اسلامك فقال كنت يتيما من رام هرمز وكان ابن دهقان رامهرمز يختلف إلى معلم يعلمه فلزمته لأكون في كنفه وكان لي أخ أكبر مني وكان مستغنيا بنفسه وكنت غلاما قصيرا وكان إذا قام من مجلسه تفرق من يحفظهم فإذا تفرقوا اخرج فيضع ثوبه ثم يصعد الجبل وكان يفعل ذلك غير مرة متنكرا فقلت له انك تفعل كذا وكذا فلم لا تذهب بي معك فقال أنت غلام وأخاف ان يظهر منك شئ قلت لا تخف قال فان في هذا الجبل قوما في برطيلهم لهم عبادة ولهم صلاح يذكرون الله تعالى ويذكرون الآخرة ويزعموننا عبدة النيران وعبدة الأوثان وأنا على دينهم قلت فاذهب بي معك إليهم قال لا أقدر على ذلك حتى استأمرهم أخاف ان يظهر منك شئ فيعلم أبي فيقتل القوم فيكون هلاكهم على يدي قلت لن يظهر مني شئ فاستأمرهم فأتاهم فقال غلام عندي يتيم فأحب ان يأتيكم ويسمع كلامكم قالوا ان كنت تثق به قال أرجو ان يجئ منه الا ما أحب قالوا فجئ به فقال لي قد استأذنت في أن تجئ معي فإذا كانت الساعة التي رأيتني اخرج فيها فائتني ولا يعلم بك أحد فان أبي ان علم بهم قتلهم فلما كانت الساعة التي يخرج فيها تبعته فصعدنا الجبل فانتهينا إليهم فإذا هم في برطيلهم وهم ستة أو سبعة وكان الروح قد خرج منهم من العبادة يصومون النهار ويقومون الليل ويأكلون عند السحر ما وجدوا فقعدنا إليهم فاتى الدهقان على خبرهم فتكلموا فحمدوا الله وأثنوا عليه وذكروا من مضى من الرسل والأنبياء حتى خلصوا إلى ذكر عيسى بن مريم عليهما السلام فقالوا بعث الله تعالى عيسى ع رسولا وسخر له ما كان يفعل من أحياء الموتى وخلق الطير وابراء الأكمة والأبرص والأعمى فكفر به قوم وتبعه قوم وانما كان عبد الله ورسوله ابتلى به خلقه وقالوا قبل ذلك يا غلام ان لك لربا وان لك معادا وان بين يديك جنة ونارا إليهما تصيرون وان هؤلاء القوم الذين يعبدون النيران أهل كفر وضلالة لا يرضى الله ما يصنعون وليسوا على دين فلما حضرت الساعة التي ينصرف فيها الغلام انصرف وانصرفت معه ثم غدونا إليهم فقالوا مثل ذلك وأحسن فقالوا لي يا سلمان انك غلام وانك لا تستطيع ان تصنع كما نصنع فصل ونم وكل واشرب فاطلع الملك على صنيع ابنه فركب في الخيل حتى اتاهم في برطلهم فقال يا هؤلاء قد جاورتموني فأحسنت جواركم ولم تروا مني سوءا فعمدتم إلى ابني فأفسدتموه علي قد أجلتكم ثلاثا فان قدرت عليكم بعد ثلاث أحرقت عليكم برطيلكم هذا فالحقوا ببلادكم فاني أكره ان يكون مني إليكم سوء قالوا نعم ما تعمدنا مساءتك ولا أردنا الا الخير فكف ابنه عن إتيانهم فقلت له اتق الله فإنك تعرف ان هذا الدين دين الله وان أباك ونحن على غير دين انما هم عبدة النار لا يعبدون الله فلا تبع آخرتك بدين غيرك قال يا سلمان هو كما تقول وانما أتخلف عن القوم بقيا عليهم ان تبعت القوم طلبني أبي في الجبل وقد خرج في اتياني إياهم وقد اعرف ان الحق في أيديهم فأتيتهم في اليوم الذي أرادوا ان يرتحلوا فيه فقالوا يا سلمان قد كنا نحذر مكان ما رأيت فاتق الله وأعلم ان الدين ما أوصيناك به وان هؤلاء عبدة النيران لا يعرفون الله تعالى ولا يذكرونه فلا يخدعنك أحد عن دينك قلت ما أنا بمفارقكم قالوا أنت لا تقدر ان تكون معنا نحن نصوم النهار ونقوم الليل ونأكل عند السحر ما أصبنا وأنت لا تستطيع ذلك فقلت لا أفارقكم قالوا أنت أعلم وقد أعلمناك حالنا فإذا أتيت لعله أبيت فخذ مقدار حمل يكون معك شئ تأكله فإنك لا تستطيع ما نستطيع نحن ففعلت ولقينا أخي فعرضت عليه ثم اتيتهم يمشون وأمشي معهم فرزق الله السلامة حتى قدمنا الموصل فاتينا بيعة بالموصل فلما دخلوا احتفوا بهم وقالوا أين كنتم قالوا كنا في بلاد لا يذكرون الله تعالى فيها عبدة النيران وكنا نعبد الله فطردونا فقالوا ما هذا الغلام فطفقوا يثنون علي وقالوا صحبنا من تلك البلاد فلم نر منه الا خيرا قال سلمان فوالله انهم لكذلك إذ طلع عليهم رجل من كهف جبل فجاء حتى سلم وجلس فحفوا به وعظموه أصحابي الذين كنت معهم وأحدقوا به فقال أين كنتم فأخبروه فقال ما هذا الغلام معكم فأثنوا علي خيرا وأخبروه باتباعي إياهم ولم أر مثل اعظامهم إياه فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر من أرسل من رسله وأنبيائه وما لقوا وما صنع بهم وذكر مولد عيسى بن مريم ع وانه ولد من غير ذكر فبعثه الله عز وجل رسولا وأحيا على يديه الموتى وانه يخلق من الطين كهيأة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأنزل عليه الإنجيل وعلمه التوراة وبعثه رسولا إلى بني إسرائيل فكفر به قوم وامن به قوم وذكر بعض ما لقي عيسى بن مريم وانه كان عبد الله أنعم الله عليه فشكر ذلك له ورضي الله عنه حتى قبضه الله عز وجل وهو يعظمهم ويقول اتقوا الله والزموا ما جاء به عيسى عليه الصلاة والسلام ولا تخالفوا فيخالف بكم ثم قال من أراد أن يأخذ من هذا شيئا فليأخذ فجعل الرجل يقوم فيأخذ الجرة من الماء والطعام فقام أصحابي الذين جئت معهم فسلموا عليه وعظموه وقال لهم الزموا هذا الدين وإياكم ان تفرقوا واستوصوا بهذا خيرا وقال لي يا غلام هذا دين الله الذي تسمعني أقوله وما سواه الكفر قلت ما أنا بمفارقك قال إنك لا تستطيع ان تكون معي اني لا اخرج من كهفي هذا الا كل يوم أحد ولا تقدر على الكينونة معي وأقبل علي أصحابه فقالوا يا غلام انك لا تستطيع ان تكون معه قلت ما أنا بمفارقك قال له أصحابه يا فلان ان هذا غلام ويخاف عليه قال لي أنت اعلم قلت فاني لا أفارقك فبكى أصحابي الأولون الذين كنت معهم عند فراقهم إياي فقال يا غلام خذ من هذا الطعام ما ترى انه يكفيك إلى الأحد الآخر