وقال السري في وصف الفالوذج:
كان بياض اللوز في جنباته * كواكب لاحت في سماء عقيق وقال أبو بكر:
مطرب الصبح هيج الطربا * لما قضى الليل نحبه انتحبا مغرد تابع الصباح فما * تدري رضا كان ذاك أم غضبا ما تنكر الطير انه ملك * لها فبالتاج راح معتصبا طوى الظلام البنود منصرفا * حين رأى الفجر ينشر العذبا والليل من فتكة الصباح به * كراهب شق جيبه طربا فباكر الخمرة التي تركت * بنان كف المدير مختضبا كأنما صب في الزجاجة من * لطف ومن رقة نسيم صبا وليس نار الهموم خامدة * الا بنور الكؤس ملتهبا يظل زق المدام ممتهنا * سحبا وذيل المجون منسحبا ومنها في وصف كانون نار:
ومقعد لا حراك ينهضه * وهو على أربع قد انتصبا مصفر محرق تنفسه * تخاله العين عاشقا وصبا إذا نظمنا في جيده سبجا * صيره بعد ساعة ذهبا فما خبت نارنا ولا وقفت * خيول لهو جرت بنا خببا وساحر الطرف لا نقاب له * إذ كان بالجلنار منتقبا تقطف من ثغره ووجنته * أنامل الطرف زهرة عجبا شقائقا مذهبا يرى خجلا * وأقحوانا مفضضا شنبا حتى إذا ما انثنى ونشوته * قد سهلت منه كل ما صعبا غلبت صحبي عليه منفردا * به وهل فاز غير من غلبا ارشف ريقا عذب اللمي خصرا * كان فيه الضريب والضربا وللسري في معنى البيت الخامس:
كراهب حن للهوى طربا * فشق جلبابه من الطرب وللسري في وصف كانون النار في مثل البيت العاشر والثاني عشر وذو أربع لا يطيق النهوض * ولا يألف السير فيمن سرى نحمله سبجا اسودا * فيجعله ذهبا احمرا وللسري في معنى البيت السادس عشر:
سفرن فلاح الأقحوان مفضضا * على القرب منا والشقيق مذهبا مؤلفاته 1 كتاب المحب والمحبوب والمشموم والمشروب ذكره الثعالبي في تتمة اليتيمة وهذا لا ينافي قول ابن النديم السابق انه لا يحسن من العلوم غير قول الشعر إذ لعله لا يعتبر تأليفه في ذلك تأليفا في العلم بل يراه غير خارج عن موضوع الشعر وقد حكي عن كتاب المحب والمحبوب انه قال فيه: الفرق بين الحب والهوى والعشق وان كان الشعراء مخالفون في هذا الترتيب اي يجعلون الثلاثة بمعنى واحد والصواب ان الهوى أعم لوقوعه على كل ما تهواه والثاني الحب وهو أخص وأقصاه العشق والاشتقاق يدل على ذلك لأن الهوى من زوال الشمس عن موضعها والحب ملازمة المكان ثم الانبعاث منه والعشق مشتق من العشقة وهي اللبلابة وكان العشق سمي به لذبوله ويقال عشق بالشئ إذا لزمه ولكل من الناس في الحب قول بحسب اعتقاده فالمنجمون يردونه إلى تأثيرات الكواكب والأطباء ومن يجري مجراهم يردونه إلى الطبائع والصوفية ومن ناسبهم يقولون بسائقة التقارب والتعارف وقالت أعرابية في ذلك: الحب خفي ان يرى وجل ان يخفى فهو كامن كمون النار في الحجر ان قدحته أورى وان تركته توارى وان لم يكن شعبة من الجنون فهو عصارة السحر اه 2 كتاب الديرة ذكره ياقوت في معجم الأدباء 3 ديوان شعره مطبوع مرتب على حروف المعجم قال ابن النديم وقد عمل شعره قبل موته نحو ثلاثمائة ورقة ثم زاد بعد ذلك وقد عمله بعض المحدثين الأدباء على الحروف اه وفي معجم الأدباء يدخل في مجلدين.
شعره هو شاعر مطبوع مجيد نظم في جميع فنون الشعر فأجاد ومر قول ابن النديم انه لا يحسن من العلوم غير قول الشعر وانه عذب الألفاظ مليح المآخذ كثير الافتنان في التشبيهات والأوصاف ولو لم يكن لها رواء ولا منظر أقول وكثيرا ما يعتمد في شعره أنواع البديع لا سيما الجناس. وفي اليتيمة وقد أخرجت من شعره ما يكتب على جبهة الدهر ويعلق في كعبة الفكر فكتبت منه محاسن وملحا وبدائع وطرفا كأنها أطواق الحمام وصدور البزاة البيض وأجنحة الطواويس وسوالف الغزلان ونهود العذارى الحسان وغمزات الحدق الملاح. وكنت أحسب اني قد استغرقت شعره لجمعي فيه بين لمع أنشدنيها وأنسخنيها أبو بكر الخوارزمي أولا وبين ديوان شعره المجلوب من بغداد وهو أول ما رأيته مما أنفذه أبو عبد الله محمد بن حامد الخوارزمي من بغداد إلى أبي بكر وبين المجلدة بخط السري التي وقعت إلي من جهة أبي نصر وفيها زيادات كثيرة على ما في الديوان فقرأت في كتاب الوساطة للقاضي أبي الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني أبياتا أنشدها للسري في جملة ما أنشده لأكابر الشعراء مما يتضمن الاستعارة الحسنة مع احكام الصنعة وعذوبة اللفظ وهي:
أقول لحنان الحشاء المغرد * يهز صفيح البارق المتوقد تبسم عن ري البلاد حبيبه * ولم يبتسم الا لانجاز موعد ومنها:
ويا ديرها الشرقي لا زال رائح * يحل عقود المزن فيك ومغتدي عليلة أنفاس الرياح كأنما * يعل بماء الورد نرجسها الندي يشق جيوب الورد في شجراتها * نسيم متى ينظر إلى الماء يبرد فأعجبت جدا بها وتعجبت منها وتأسفت على ما فاتني من أخواتها من هذه القصيدة وغيرها ثم قرأت في كتاب تفسير ابن جني لشعر المتنبي بيتا واحدا أنشده السري من قصيدة وذكر انه اخذه من قول المتنبي:
سقاك وحيانا بك الله انما * على العيس نور والخدور كمائمه وهو:
حيا بك الله عاشقيك فقد * أصبحت ريحانة لمن عشقا فكدت أقضي بان لم اسمع في معناه أظرف منه ولا ألطف ولا أعذب ولا أخف وطلبت القصيدتين فعزتا وأعوزنا وعلمت ان الذي حصلت من شعره غيض من فيض مما لم يقع إلي شعره الذي ينسب في بعض النسخ إلى كشاجم لما تقدم من أن السري كان يدسه فيه تشنيعا على الخالدي ونسبته له إلى السرقة كقوله كما في اليتيمة ج 1 ص 511.