لكنه في حكمه تابع * يتبعه في كل حكم روي مستوجب للنصب من بعده * لأنه توكيده المعنوي خلف ولده الشيخ مرتضى، قام مقام أبيه في جميع حالاته ومعانيه.
1434: الشيخ عباس الأعسم بن عبد السادة النجفي الحيري.
ولد في النجف عام 1253. هاجر منها إلى الحيرة حوالي سنة 1290 ولما كانت سنة 1298 بلغه وهو في الحيرة خبر وفاة طفلين له بالنجف أصيبا بالطاعون الذي عم العراق تلك السنة فقال يرثيهما من قصيدة:
وهاتفه ناحت ولم تصدع النوى * حشاها وفرخاها بحيث تراهما فما لي لا أعطي النياحة حقها * وفرخاي عن عيني غابا كلاهما وعاد إلى وطنه النجف سنة 1307.
وبقي فيها إلى أن توفي في شهر ذي القعدة من سنة 1323 وعمره ستون سنة.
والأعسم أصله النسبة إلى عشية من زبيد الحجاز يقال لهم العسمان، وقد نبغ عدد كبير من رجال هذه الأسرة في العلم والأدب وصناعة القريض.
نشأ المترجم صغيرا يمتهن مع أبيه إحدى المهن الحرة ثم انقطع عن أبيه بدوافع الفطرة إلى درس النحو والصرف والمعاني والبيان وما إلى ذلك من آداب اللغة العربية وطفق يحضر فقها وأصولا على المشاهير من أساتذة علماء ذلك العصر وكانت له قريحة وقادة وبديهة سريعة في النظم فانعطف عليه في أواسط حياته وانحاز عن تلك الحوزات العلمية إلى الأندية الشعرية والأوساط الأدبية وما أكثرها يومئذ في النجف. ثم حدا به ميله للبساطة وجه للعزلة إلى الاتصال بالسادة آل زوين فجعل يقضي أكثر أوقاته عندهم في الحيرة الجعارة وكانت دار ضيافتهم يومئذ منتدى لكثير من أدباء النجف وشعرائه.
ولما شقت خزاعة وأحلافها عصا الطاعة على الحكومة العثمانية زحف عليها متصرف الحلة أمير اللواء شبلي باشا بجيوش جرارة ونفاهم عن قضاء الشامية ثم نفى السادة آل زوين والشيخ عباس معهم من حدود أبي صخير والجعارة لأنهم أصهار خزاعة ومن ذوي العلائق الأكيدة معهم فأصبح الشيخ عباس بعد الهجرة أعرابيا يقاسي مع السادة مرارة النفي ويعاني ألم التشريد والاضطهاد مدة من الزمن يرتدي في رأسه الكوفية البيضاء والعقال العربي المعروف إلى أن مات شبلي باشا في الحلة سنة 1298 فرجع مع السادة إلى الحيرة.
ولم تنقطع خلال هذه المدة صلته الأدبية مع أحبابه وذويه وذوي قرباه في النجف فطالما كان يطارحهم ويطارحونه برسائل الاشتياق وشكوى البعد والفراق.
شعره رأينا له في النجف ديوان شعر مجموع بخطه فمن قوله وقد مر بدير هند:
دير هند سقاك أوطف غيث * لم يزل برقة بقبض وبسط قد شممنا من ترب أرضك طيبا * عبقا من مجر برد ومرط طالما كنت للظباء كناسا * ولبيض الحسان أنفس سمط فمن الحق ان يحييك دمع * دائما لا وفاء قسط بقسط ان حق الهوى على كل صب * أن يبكي دموعه كل خط فلقد كان للهوى فيك ناد * فيه أهل الهوى تنال وتعطي فلكم أوثقت به من عهود * لحقوق الهوى بحل وربط ولكم فيك أرسلت لاحظات * وبألحاظها تصيب وتخطي يا رعى الله سالفات ليال * بك مرت تزهو بخد وقرط وقوله:
سحائب جفن لا يجف مطيرها * ولوعة قلب لا يخف زفيرها وفي ذات خلخال إذا رن هاج لي * لواعج أشجان ذكي سعيرها فكم كسرت قلبا بكسر جفونها * واقتل أجفان الظباء كسيرها فيا صاحبي نجواي بالله عارضا * حمولتها من حيث فاح عبيرها بما بيننا من حرمة الود خبرا * أسيرة حجيلها باني أسيرها وقوله في الحسين ع:
إليك ابن طه لا إلى غيرك انتحت * ركائب قصدي والرجاء يسوقها اتتك تؤم البيد تستعجل السرى * وما عاقها عن قصدها ما يعوقها عليك لها حق الضيافة والقرى * وأي ضيوف لا توفي حقوقها وقوله وهو في بغداد سنة 1295 خليلي لولا الحب ما خف محملي * إلى الكرخ أطوي البيد سهبا على سهب ولا غص بي من مشرق الشمس وسعه * إلى أن ترامى بي إلى شقة الغرب أهاجت على قلبي الصبابة غلمة * ترتل آيات الغرام على قلبي وأعينهم في المرسلات من البكا * وأكبادهم في النازعات من الحب وقد أطبقت أفواههم دهشة النوى * وأضناهم توديع قافلة الركب فبلوا أديم الأرض حيث تهاملت * لهم أعين مخضلة الجفن والهدب فها انا ذا لا استلذ مطاعمي * وان هي طابت لا ولا ساع لي شربي وله أيضا:
نهنها من سراكما واستريحا * قد شممنا من السماوة ريحا هي دار وحبذا تلك دارا * تنبت الرند أرضها والشيحا واحبسا عندها المطايا قليلا * وقفا عندها وقوفا شحيحا طالما قد تصفح الطرف فيها * ناظرا أدعجا ووجها صبيحا ورشفنا بها سلافة خمر * من ثنايا يرسلن برقا لموحا ولثمنا بها ورود خدود * وغبوقا نلنا بها وصبوحا وبها الغيد سامرتنا بناد * صافح الروض فيه غيثا دلوحا هل سبيل لسلسبيل ثناياك * لتشفي به الفؤاد القريحا ما منحت الهوى لغيرك إلا * خطرات أقولها تلميحا وإذا رمت ان أحط غرامي * عنك يأبى الا إليك طموحا قد مرت أدمعي حمامة أيك * تملأ السمع رنة وصدوحا وتذكرت عهد انس تقضى * بك من قبل ان أراك نزيحا وجرى ما جرى فان شئت فاسمع * من وثيق الهوى حديثا صحيحا كل يوم أموت فيك وأحيا * وعذابي هذا إلى أن تلوحا