الشام فلما انتهكوا ذلك الحريم واقترفوا ذلك الاثم العظيم غضب الله عليهم وانتزع الملك منهم.
سبب خروجه اختلفت الروايات والأقوال في سبب خروجه على وجوه أحدها ما عامله به هشام من الجفاء المفرط قال ابن عساكر في تاريخ دمشق وفد علي هشام بن عبد الملك فرأى منه جفوة فكان ذلك سبب خروجه وقال المفيد في الارشاد كان سبب خروج أبي الحسين زيد بن علي رضي الله عنه بعد الذي ذكرناه من غرضه في الطلب بدم الحسين ع انه داخل على هشام بن عبد الملك وقد جمع هشام أهل الشام وامر ان يتضايقوا في المجلس حتى لا يتمكن من الوصول إلى قربه فقال له زيد انه ليس من عباد الله أحد فوق ان يوصي بتقوى الله يا أمير المؤمنين فاتقه فقال له هشام أنت ابن المؤهل نفسك للخلافة الراجي لها وما أنت وذاك لا أم لك وإنما أنت ابن أمة فقال له زيد أني لا اعلم أحدا أعظم منزلة عند الله من نبي بعثه وهو ابن أمة فلو كان ذلك يقصر عن منتهى غاية لم يبعث وهو إسماعيل بن إبراهيم ع فالنبوة أعظم منزلة عند الله أم الخلافة يا هشام وبعد فما يقصر برجل أبوه رسول الله ص وهو ابن علي بن أبي طالب فوثب هشام عن مجلسه وزيد في عمدة الطالب ووثب الشاميون ودعا قهرمانه فقال لا يبيتن هذا في عسكري الليلة فخرج زيد وهو يقول إنه لم يكره قط أحد حد السيوف إلا ذلوا فلما وصل إلى الكوفة اجتمع إليه أهلها فلم يزالوا به حتى بايعوه على الحرب ثم نقضوا بيعته وأسلموه فقتل وصلب بينهم أربع سنين لا ينكر أحد منهم ولا يغير بيد ولا بلسان اه.
وفي المناقب لما رأى هشام معرفته وقوة حجته وشاهد منه ما لم يكن في حسبانه داخله الخوف منه ان يفتتن به أهل الشام وقال لقهرمانه لا يبيتن هذا في عسكري الليلة. وفي كتاب مختار البيان والتبيين للجاحظ عند تعداد الخطباء: ومنهم زيد بن علي بن الحسين قال وكان قد وشي به إلى هشام فسأله عن ذلك فقال احلف لك قال هشام وإذا حلفت أفأصدقك قال اتق الله قال أومثلك يا زيد يأمر مثلي بتقوى الله قال لا أحد فوق ان يوصي بتقوى الله ولا أحد دون ان يوصي بتقوى الله قال هشام بلغني انك تريد الخلافة وأنت لا تصلح لها لأنك ابن أمة قال قد كان إسماعيل بن إبراهيم ابن أمة وإسحاق ابن حرة فاخرج الله من صلب إسماعيل النبي الكريم فعندها قال له هشام قم قال إذا لا تراني الا حيث تكره إلى أن قال ومن أخبار زيد بعد ذلك أنه لما رأى الأرض طبقت جورا ورأى قلة الأعوان وتخاذل الناس كانت الشهادة أحب المنيات إليه اه.
وفي عمدة الطالب أنه لما قال ما كره قوم حد السيوف إلا ذلوا حملت كلمته إلى هشام فعرف أنه يخرج عليه ثم قال هشام ألستم تزعمون أن أهل هذا البيت قد بادوا ولعمري ما انقرض من مثل هذا خلفهم.
وفي المناقب عن عيون الأخبار وفي الرياض ان هشاما قال له ما فعل أو ما يصنع أخوك البقرة فغضب زيد حتى كاد يخرج من أهابه ثم قال سماه رسول الله ص الباقر وتسميه أنت البقرة لشد ما اختلفتما ولتخالفنه في الآخرة كما خالفته في الدنيا فيرد الجنة وترد النار.
وفي الرياض فقال هشام خذوا بيد هذا الأحمق المائق فاخرجوه فاخرج زيد وأشخص إلى المدينة ومعه نفر يسير حتى طردوه عن حدود الشام فلما فارقوه عدل إلى العراق وفي تاريخ دمشق قال عبد الاعلى الشامي لما قدم زيد الشام كان حسن الخلق حلو اللسان فبلغ ذلك هشاما فاشتد عليه فشكا ذلك إلى مولى له فقال ائذن للناس إذنا عاما واحجب زيدا وائذن له في اخر الناس فدخل فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين فلم يرد عليه فقال السلام عليك يا أحول فإنك ترى نفسك اهلا لهذا الاسم فقال له هشام أنت الطامع في الخلافة وأمك أمة فقال إن لكلامك جوابا فان شئت أجبت قال وما جوابك فقال لو كان في أم الولد تقصير لما بعث الله إسماعيل نبيا وأمه هاجر فالخلافة أعظم أم النبوة فافحم هشام فلما خرج قال لجلسائه أنتم القائلون ان رجالات بني هاشم هلكت والله ما هلك قوم هذا منهم فرده وقال يا زيد ما كانت أمك تصنع بالزوج ولها ابن مثلك قال أرادت اخر مثلي قال ارفع إلي حوائجك فقال اما وأنت الناظر في أمور المسلمين فلا حاجة لي ثم قام فخرج فاتبعه رسولا وقال اسمع ما يقول فتبعه فسمعه يقول من أحب الحياة ذل ثم أنشأ يقول:
مهلا بني عمنا عن نحت اثلثتنا * سيروا رويدا كما كنتم تسيرونا لا تطمعوا ان تهينونا ونكرمكم * وان نكف الأذى عنكم وتؤذونا الله يعلم انا لا نحبكم * ولا نلومكم ان لا تحبونا كل امرئ مولع في بغض صاحبه * فنحمد الله نقلوكم وتقولنا ثم حلف ان لا يلقى هشاما ولا يسأله صفراء ولا بيضاء الحديث وفي مروج الذهب قد كان زيد دخل على هشام بالرصافة فلم ير موضعا يجلس فيه فجلس حيث انتهى به مجلسه وقال يا أمير المؤمنين ليس أحد يكبر عن تقوى الله ولا يصغر دون تقوى الله فقال هشام اسكت لا أم لك أنت الذي تنازعك نفسك في الخلافة وأنت ابن أمة قال يا أمير المؤمنين ان لك جوابا إذا أحببت أجبتك به وان أحببت أمسكت عنه فقال بل أجب فقال إن الأمهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات وقد كانت أم إسماعيل أمة لا أم إسحاق ص فلم يمنعه ذلك أن بعثه الله نبيا وجعله للعرب أبا فخرج من صلبه خبر البشر محمد ص فتقول لي هذا وانا ابن فاطمة وابن علي وقام وهو يقول منخرق النعلين يشكو الوجى الأبيات الأربعة الآتية فمضى عنها إلى الكوفة وخرج فيها ومعه الفراء والأشراف فحاربه يوسف بن عمر الثقفي فلما قامت الحرب انهزم أصحاب زيد وبقي في جماعة يسيرة فقاتلهم أشد قتال وهو يقول متمثلا:
أذل الحياة وعز الممات * وكلا أراه طعاما وبيلا فان كان لا بد من واحد * فسيري إلى الموت سيرا جميلا وروى ابن عساكر ان زيدا دخل على هشام فقال له يا زيد بلغني ان نفسك لتسمو بك إلى الإمامة والإمامة لا تصلح لأولاد الإماء فاجابه زيد بما مر فقال هشام يا زيد ان الله لا يجمع النبوة والملك لأحد فقال زيد قال الله تعالى: أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما.
وقال ابن عساكر قال عبد الله بن جعفر قال لي سالم مولى هشام دخل زيد على هشام فرفع دينا كثيرا وحوائج فلم يقض له هشام حاجة وتجهمه