بد من ذلك فإنه والله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من لسانه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل ووحشته وكان غزير الدمعة طويل الفكرة يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما جشب وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ويأتينا إذا دعوناه ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربنا منه لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظم أهل الدين ويحب المساكين لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله وأشهد بالله يا معاوية لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه قابضا على لحيته الشريف يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين وهو يقول: إليك عني يا دنيا غري غيري، إلي تعرضت أم إلي تشوقت هيهات هيهات، فاني قد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير، وخطرك كبير وعيشك حقير.
ثم بكى وبكى معاوية وقال رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك، ثم قال فكيف حزنك عليه يا ضرار، قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها فهي لا ترقى لها دمعة ولا تسكن لها زفرة.
1411: عائذ بن سعيد بن جندب المحاربي شهد صفين مع علي بن أبي طالب وأبلى يومئذ وأرتجز فقال:
قد علمت أم بني خالده * اني للحرب عتيد العدة فضفاضة سابغة ونهده * وصارم مهند وصعده أصدق في أهل القسوط الشدة * كما حمى أشباله ذو اللبدة فقتل في آخر صفين رحمه الله وكانت معه راية محارب يوم الجمل وصفين فقتل يوم صفين وهي معه. وقد شهد القادسية وجلولاء ونهاوند وله وفادة على النبي ص.
ومن ولده لقيط الراوية وكان صدوقا.
1412: عائشة النبوية بنت الإمام جعفر الصادق ع توفيت سنة 145 في مصر ودفنت بباب القرافة.
وكان تسميتها بالنبوية بتمييزها عن عائشة أم المؤمنين أي أنها من ذرية النبي ص.
كانت من أعبد نساء زمانها وأزهدهن وأنسكهن.
1413: الشيخ عارف الزين ويقال احمد عارف ولد في قرية شحور في رمضان سنة 1301 وتوفي سنة 1380 في مشهد الرضا حيث قصده زائرا ففاجأته المنية هناك فدفن في الصحن الرضوي.
وكانت نشأته الأولى في شحور ثم في صيدا وتعلم القرآن الكريم والخط على أحد شيوخ القرية وفي أثناء ذهابه إلى صيدا كان يتردد على مدرستيها الرشدية واليسوعية ولما بلغ الحادية عشرة من سنة أرسله والده إلى النبطية ليتعلم في مدرستها الابتدائية فمكث فيها مدة قليلة ثم إنتقل إلى مدرستها الدينية التي أنشأها السيد حسن يوسف فدرس فيها النحو والصرف والمنطق والبيان على أساتذتها ومنهم الشيخ أحمد رضا والشيخ سليمان ظاهر والشيخ حسين نعمة وفي أثناء ذلك درس شيئا من اللغتين الفارسية والتركية. ولما انتقل إلى صيداء درس شيئا من اللغة الافرنسية.
حياته الصحفية أنشأ مجلة العرفان وأصدر العدد الأول منها في المحرم سنة 1327 ثم أنشأ جريدة أسبوعية باسم جبل عامل وتوقفت الجريدة بعد صدورها سنة واحدة واستمر يصدر مجلته. فأصدر منها المجلدين الرابع والخامس وفي أوائل الحرب العالمية الأولى صدر جزءان من السادس ثم احتجبت مدة الحرب العالمية الأولى كلها وبعض مدة الاحتلال ثم عاود إصدارها.
في الحرب العالمية الأولى أصابه من مظالم ما أصاب الأحرار فقد فتشت مطبعته وداره ولم يعثر على ما يؤاخذ عليه وسيق مع من سيق إلى محكمة عالية العرفية فبقي تحت المراقبة 22 يوما وعاد إلى صيدا ولم يلبث قليلا حتى آثر العزلة في مزرعة له مشتغلا في إدارة زراعته إلى أوائل الاحتلال ثم عاد إلى عمله الصحفي الأول وإدارة مطبعته.
في الجمعيات اشترك هو وتوفيق البساط بتأسيس جمعية في صيدا باسم جمعية نشر العلم، وكان اجتماعها الأول في داره واتخذت بعد ذلك ناديا خاصا وانتخب رئيسا لها وقد أرسلت بعض الشبان إلى المدارس العالية لاكمال دروسهم على نفقتها.
في عهد الانتداب الفرنسي لم يكد الفرنسيون يحتلون البلاد ويعلنون انتدابهم عليها حتى جاهرهم العداء فحاكموه وحكموا عليه بالسجن أكثر من مرة. ولعل من أحسن ما قيل في وطنيته ما قاله أحد مؤبنيه:
كان وطنيا في الوقت الذي كانت فيه الوطنية عطاء محضا وعذابا صرفا واضطهادا مستمرا ولما أعلن الاستقلال وراح أدعياء الوطنية يجرون المغانم، انزوى بعيدا عن الاستغلال والمستغلين.
العرفان من أفضل ما قيل في مجلة العرفان ما قاله أحد مؤبنيه:
إن مجلة العرفان تختلف عن جميع المجلات العربية، بأنها أكثر من أية مجلة أخرى قد أصبحت بالنسبة لفريق كبير من الناس رمزا للشغف بالقراءة، ورمزا على الاقبال من القراء.
لقد تفردت العرفان في ذهن طبقة واسعة من المواطنين بمنزلة لم تبلغها مجلة سواها وتجاوز التعلق بها المثقف وبات اسمها مرادفا عند سواد الناس لأي مجلة وأي نشرة.
وكثيرا ما نسمع في أنحاء هذا الجزء العزيز من الوطن جبل عامل سيدة طيبة من عجائزنا أو شيخا صافيا من شيوخنا يسميان كل مطبوعة انها العرفان.