وخذ من الماء ما تكتفي به ففعلت فما رأيته نائما ولا طاعما راكعا وساجدا إلى الأحد الآخر فلما أصبحنا قال لي خذ جرتك هذه وانطلق فخرجت معه اتبعه حتى انتهينا إلى الصخرة وإذا هم قد خرجوا من تلك الجبال ينتظرون خروجه فقعدوا وعاد في حديثه نحو المرة الأولى ثم ذكرني فقالوا له كيف وجدت هذا الغلام فاثنى علي وقال خيرا فحمدوا الله تعالى وإذا خبز كثير وماء كثير فأخذوا وجعل الرجل يأخذ ما يكتفي به وفعلت فتفرقوا في تلك الجبال ورجع إلى كهفه ورجعت معه فلبثنا ما شاء الله يخرج في كل يوم أحد ويخرجون معه ويحفون به ويوصيهم بما كان يوصيهم به فخرج في أحد فلما اجتمعوا حمد الله تعالى ووعظهم وقال مثلما كان يقول لهم ثم قال آخر ذلك يا هؤلاء انه قد كبر سني ودق عظمي وقرب أجلي وانه لا عهد لي بهذا البيت بيت المقدس منذ كذا وكذا ولا بد من اتيانه فاستوصوا بهذا الغلام خيرا فاني رأيته لا باس به فجزع القوم فما رأيت مثل جزعهم وقالوا يا فلان أنت كبير فأنت وحدك ولا نأمن ان يصيبك شئ يساعدك أحوج ما كنا إليك قال لا تراجعوني لا بد من اتيانه ولكن استوصوا بهذا الغلام خيرا وافعلوا وافعلوا قلت ما أنا بمفارقك قال يا سلمان قد رأيت حالي وما كنت عليه وليس هذا كذلك انا أمشي أصوم النهار وأقوم الليل ولا أستطيع أن أحمل معي زادا ولا غيره وأنت لا تقدر على هذا قلت ما أنا بمفارقك قال أنت أعلم قالوا يا فلان فانا نخاف على هذا الغلام قال فهو أعلم قد أعلمته الحال وقد رأى ما كان قبل هذا قلت لا أفارقك فبكوا وودعوه وقال لهم اتقوا الله وكونوا على ما وصيتكم به فان أعش فعلي أرجع إليكم وان مت فان الله حي لا يموت فسلم عليهم وخرج وخرجت معه وقال لي احمل معك من هذا الخبز شيئا تأكله وخرج وخرجت معه يمشي واتبعته يذكر الله تعالى ولا يلتفت ولا يقف على شئ حتى إذا أمسينا قال يا سلمان صل أنت ونم وكل واشرب ثم قام يصلي حتى انتهينا إلى بيت المقدس وكان لا يرفع طرفه إلى السماء حتى انتهينا إلى باب المسجد وإذا على الباب مقعد فقال يا عبد الله ترى حالي فتصدق علي بشئ فلم يلتفت إليه ودخلنا المسجد فجعل يتتبع أمكنة من المسجد فصلى فيها فقال يا سلمان اني لم أنم منذ كذا وكذا فان فعلت ان توقظني إذا بلغ الظل مكان كذا وكذا نمت فاني أحب أن أنام في هذا المسجد والا لم أنم فاني افعل فنام فقلت في نفسي هذا لم ينم منذ كذا وكذا لأدعنه ينام حتى يشتفي من النوم فلم يمض الا يسيرا حتى استيقظ فزعا بذكر الله تعالى فقال لي يا سلمان مضى الفئ من هذا المكان ولم أذكر أين ما كنت جعلت على نفسك قلت أخبرتني انك لم تنم منذ كذا وكذا فأحببت ان تشتفي من النوم فحمد الله تعالى وكان فيما يمشي يعظني ويخبرني أن لي ربا وان بين يدي جنة ونارا وحسابا ويعلمني ويذكرني نحو ما يذكر القوم يوم الأحد حتى قال فيما يقول يا سلمان ان الله عز وجل سوف يبعث رسولا اسمه احمد يخرج بتهمة وكان رجلا عجميا لا يحسن القول فيقول في تهامة تهمة علامته انه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم وهذا زمانه الذي يخرج فيه قد تقارب أما انا فاني شيخ كبير ولا أحسبني أدركه فان أدركته أنت فصدقه واتبعه قلت وان أمرني بترك دينك وما أنت عليه قال اتركه فان الحق فيما أمر به ورضى الرحمن فيما قال وقام فخرج وتبعته فمر بالمقعد فقال المقعد يا عبد الله دخلت فسألتك فلم تعطني وخرجت فسألتك فلم تعطني فقام ينظر هل يرى أحدا فلم يره فدنا منه فقال له ناولني يدك فناوله فقال بسم الله فقام كأنه نشط من عقال صحيحا لا عيب فيه فقال لي المقعد احمل علي ثيابي حتى انطلق فأسير إلى أهلي فحملت عليه ثيابه وانطلق فخلا عني بعده فانطلق ذاهبا فكان لا يلوي على أحد ولا يقوم عليه فانطلق لا يلوي علي فخرجت في أثره أطلبه فكلما سالت عنه قالوا أمامك حتى لقيني ركب من كلب فسألتهم فلما سمعوا لغتي أناخ رجل منهم لي بعيره فحملني خلفه حتى أتوا بلادهم فباعوني فاشترتني امرأة من الأنصار وفي تهذيب التهذيب ذكر العسكري اسم المرأة التي اشترته حليسة فجعلتني في حائط لها وقدم رسول الله ص فأخبرت به ثم ذكر خبر الصدقة والهدية والخاتم ثم قال فقلت أشهد ان لا إله إلا الله وانك رسول الله ثم ذكر انه ص أمر أبا بكر فاشتراه واعتقه وهو ينافي ما يأتي عن الاثبات من أنه كاتب عن نفسه فإذا كان أعتقه فلا محل للمكاتبة ثم قال فسلمت عليه وقعدت بين يديه فقلت يا رسول الله ما تقول في دين النصارى قال لا خير فيهم ولا في دينهم فدخلني امر عظيم فقلت في نفسي هذا الذي كنت معه ورأيت ما رأيته ثم رأيته اخذ بيد المقعد فأقامه الله على يديه فقال لا خير في هؤلاء ولا في دينهم فانصرفت وفي نفسي ما شاء الله فأنزل الله عز وجل على النبي ص ذلك بان منهم قسيسين ورهبانا وانهم لا يستكبرون إلى آخر الآية فقال رسول الله ص علي بسلمان فاتيت الرسول وانا خائف فجئت حتى قعدت بين يديه فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ذلك بان منهم قسيسين إلى آخر الآية يا سلمان ان أولئك الذين كنت معهم وصاحبك لم يكونوا نصارى انما كانوا مسلمين فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لهو الذي أمرني باتباعك فقلت له وان امرني بترك دينك وما أنت عليه قال فاتركه فان الحق وما يجب فيما يأمرك به قال الحاكم هذا حديث صحيح عال ولم يخرجاه البخاري ومسلم. قال المؤلف في هذا الحديث مواقع للنظر زيادة على ما مر أولا ان ما وقع في نفس سلمان لم يبده لأحد فمن أين علم به ص وان كان علم به فكان يجب ذكره والا كان الكلام ناقصا وآية ذلك بان منهم نازلة في غيرهم كما ستعرف ثانيا جواب ما وقع في نفس سلمان ظاهر واضح لا يحتاج إلى انتظار نزول آية ذلك بان منهم التي لا تصلح جوابا فكان يمكن الجواب بان الذين كان معهم كانوا على النصرانية الصحيحة والذين لا خير فيهم ولا في دينهم هم الذين غيروا وبدلوا ثالثا الذين نزل فيهم ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى ذلك فان منهم قسيسين الآية هم النجاشي ملك الحبشة وأصحابه عن ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء والسدي والذين جاءوا مع جعفر مسلمين عن مجاهد ففي مجمع البيان وافى جعفر وأصحابه رسول الله في سبعين رجلا اثنان وستون من الحبشة وثمانية من أهل الشام فيهم بحيرا الراهب فقرأ عليهم رسول الله ص صورة يس إلى آخرها فبكوا حين سمعوا القرآن وامنوا فأنزل الله فيهم هذه الآيات وقال مقاتل والكلبي كانوا أربعين رجلا اثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية من أهل الشام وقال عطاء كانوا ثمانين رجلا أربعون من أهل نجران من بني الحارث بن كعب واثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية روميون من أهل الشام رابعا قوله لم يكونوا نصارى انما كانوا مسلمين فيه ان الظاهر أنهم كانوا نصارى على النصرانية الحقة التي ليس فيها تغيير ثم نسخت بالاسلام والاسلام لم يكن قد جاء بعد فكيف يقول انما كانوا مسلمين. والحاصل هذا الحديث فيه أشياء كثيرة توجب الريبة في صحته.
(٢٨٢)