لاحد وكتب منه قطعة ولم يره أحد فرأيت في منامي ذات ليلة ان الشيخ على منبر عال وهو يخطب خطبة ما سمعت مثلها في البلاغة والفصاحة فقصصت عليه الرؤيا فدخل إلى البيت وخرج وبيده جزء فناولني إياه فنظرته فإذا هو شرح الارشاد قد اشتمل على خطبته المعروفة التي اخذت بمجامع الفصاحة والبلاغة وقال أعلى الله درجته هذه الخطبة التي رأيتها وأمرني ان أطالع الجزء خفية وكان كلما فرع من جزء يأتيني به فأطالعه.
قال روح الله الزكية وأقمت بها اي جبع إلى سنة 946 قال ابن العودي وفي هذه السنة عمر داره التي أنشأها بها وقلت فيها من أبيات:
لقد أصبحت تفتخرين بشرا * بزين الدين إذ قد حل فيك فلا زال السرور بك يوم * يخاطب بالتحية ساكنيك وشرع في عمارة المسجد المجاور للدار المذكورة انتهى في سنة 948.
سفره إلى زيارة أئمة العراق عليهم السلام قال ابن العودي: قال نفعنا الله بعلومه وسافرت إلى العراق لزيارة الأئمة وكان خروجي في 17 ربيع الاخر سنة 946 ورجوعي في 15 شعبان منها قال ابن العودي قلت وكنت في خدمته مع جماعة من الأصحاب وأهل البلاد تلك المرة وكانت من أبرك السفرات بوجوده واتفق انه رافقنا من حلب رجل أخو بعض سلاطين الأزبك كان قد جاء من الحج ومعه جماعة ومن جملتهم رجل شيعي أعجمي ومنهم آخر من بلاده في غاية البغض للشيعة والبعد عنهم وكان شيخا كبيرا طاعنا في السن وآخر ملا يصلي به إماما وكان يظهر من الرجل بعد زائد عن الشيخ ورفقته حتى ألف بينه وبين الشيخ وما بقي يصلي الا معه وإذا نزلت القافلة حين نزوله عن الفرس يجئ إلى عنده والقى الله سبحانه حبه في قلبه وترك الصلاة مع صاحبه الملا وجعله قائدا لكلاب كانت معه فحصل في نفسه ونفس ذلك الشيخ على شيخنا من الغل والحقد ما حصل وعزما على السعاية به في بغداد وكان شيخنا في فكر لذلك حتى أنه عزم على الرجوع ان لم يمكنه الزيارة خفية فلما وصلنا الموصل ضعف ذلك الشيخ جدا وعجز عن السفر مع القافلة وانقطع هناك وكفاه الله شره وزار الشيخ الأئمة ع مستعجلا واجتمع عليه مدة وجوده هناك فضلاء العراق وكان منهم السيد شرف الدين السماك العجمي أحد تلامذة المرحوم الشيخ علي بن عبد العالي الكركي واخذ عليه العهد عند قبر الامام أمير المؤمنين ع الا ما اخبره ان كان مجتهدا وأقسم له انه لا يريد بذلك الا وجه الله سبحانه ثم بعد رجوعه إلى البلاد جاءه منه سؤالات ومباحث وايرادات واجابه عنها بما يقتضيه الحال وحقق فيها المقال ورجع الشيخ إلى وطنه في جبع في تلك السنة وأقام فيه إلى سنة 948.
سفره لزيارة بيت المقدس قال أعلى الله شانه في الجنة وسافرت لزيارة بيت المقدس منتصف ذي الحجة سنة 948 واجتمعت في تلك السفرة بالشيخ شمس الدين بن أبي اللطف المقدسي وقرأت عليه بعض صحيح الامام البخاري وبعض صحيح مسلم وأجازني إجازة عامة ثم رجعت إلى الوطن الأول المتقدم جبع وأقمت به إلى أواخر سنة 951 مشتغلا بمطالعة العلم ومذكراته مستفرغا وسعى في ذلك.
سفره إلى القسطنطينية واخذه تدريس المدرسة النورية ببعلبك قال ثم برزت لي الأوامر الإلهية والإشارات الربانية يشير إلى الاستخارة بالسفر إلى جهة الروم والاجتماع بمن فيها من أهل الفضائل والعلوم والتعلق بسلطان الوقت والزمان السلطان سليمان بن عثمان وكان ذلك على خلاف مقتضى الطبع وسياق الفهم لكن ما قدر لا تصل إليه الفكرة الكليلة والمعرفة القليلة من أسرار الحقائق وأحوال العواقب والكيس الماهر هو المستسلم في قبضة العالم الخبير القاهر المتمثل لأوامره الشريفة المنقاد إلى طاعته المنيفة كيف لا وانما يأمر بمصلحة تعود على المأمور مع اطلاعه على دقائق عواقب الأمور وهو الجواد المطلق والرحيم المحقق والحمد لله على انعامه واحسانه وامتنانه والحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ولا يهمل من غفل عنه ولا يؤاخذ من صدف عن طاعته بل يقوده إلى مصلحته ويوصله إلى بغيته وكان الخروج إلى السفر المذكور بعد بوادر الامر به والنواهي عن تركه والتخلف عنه وتأخيره إلى وقت آخر 12 ذي الحجة الحرام سنة 951 وأقمت بمدينة دمشق بقية الشهر ثم ارتحلت إلى حلب ووصلت إليها يوم الأحد 16 شهر المحرم سنة 952 وأقمت بها إلى السابع من شهر صفر من السنة المذكورة ومن غريب ما اتفق لنا بحلب انا أزمعنا عند الدخول إليها على تخفيف الإقامة بها بكل ما أمكن ولم ننو الإقامة فخرجت قافلة إلى الروم على الطريق المعهود المار بمدينة أذنة فاستخرنا الله على مرافقتها فلم يخر لنا وكان قد تهيا بعض طلبة العلم من أهل الروم إلى السفر على طريق طوقات وهو طريق غير مسلوك غالبا لقاصد قسطنطينية وذكروا انه قد تهيأت قافلة للسفر على الطريق المذكور فاستخرنا الله تعالى على السفر معهم فأخار به فتأخر سفرهم وساءنا ذلك فتفاءلت بكتاب الله تعالى على الصبر وانتظارهم فظهر قوله تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم فاطمأنت النفس لذلك وخرجت قافلة أخرى من طريق أذنة وأشار الأصحاب برفقتهم لما يظهر من مناسبتهم فاستخرت الله على صحبتهم فلم تظهر خيرة وتفاءلت بكتاب الله على انتظار الرفقة الأولى وان تأخروا كثيرا فظهر قوله تعالى ومن يولهم يومئذ دبره إلى فقد باء بغضب من الله ثم خرجت قافلة أخرى على طريق أذنة فاستخرت الله تعالى على الخروج معهم فلم تظهر خيرة فضقت لذلك ذرعا وسئمت الإقامة وتفاءلت بكتاب الله تعالى في ذلك فظهر قوله تعالى واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين ثم خرجت قافلة رابعة على الطريق المذكور فاستخرت الله تعالى على رفقتها فلم تظهر خيرة وكانت القافلة التي أمرنا بالسفر معها تسوفنا بالسفر يوما بعد يوم وتكذب كثيرا في اخبارنا ففتحت المصحف صبيحة يوم السبت وتفاءلت به فظهر قوله تعالى وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون فتعجبنا من ذلك غاية التعجب وقلنا ان كانت القافلة تسافر في هذا اليوم فهو من أعجب الأمور وأغربها وأتم البشائر بالخير والتوفيق فأرسلنا بعض أصحابنا نستعلم الخبر فقالوا له اذهب إلى أصحابك وحملوا ففي هذا اليوم نخرج فحمدنا الله تعالى على هذه النعم العظيمة والمنن الجسيمة التي لا نقدر على شكرها ثم بعد ذلك ظهر لإقامتنا بحلب تلك المدة فوائد واسرار لا يمكن حصرها وظهر لسفرنا