مفتوحة للضيوف والواردين وغيرهم يخدمهم بنفسه ويباشر أمور بيته ومعاشه بنفسه وهكذا كانت طريقة علماء جبل عامل في الزهد والقناعة والجد والكد والعمل للمعاش والمعاد ويظهر مما يأتي من أحواله انه كان مداوما على الاستخارة بالقرآن الكريم فيما يعرض له فتأتي الآية كأنها وحي منزل وانه كان يقسم أعماله على أوقاته كما يفهم مما ذكره ابن العودي في رسالته فيصلي المغرب والعشاء جماعة في مسجده ويشتغل فيما بين المغرب والعشاء بتصحيح كتب الحديث وقراءتها واقرائها ثم يذهب إلى الكرم لحراسته من السراق ومن تدريسه في اليوم المقبل ويشتغل عند اللزوم ينقل الحطب ليلا على حمار إلى منزله ويقوم في الليل بأداء النوافل كلها فإذا طلع الفجر جاء إلى مسجده فصلى فيه صلاة الصبح وعقب ما شاء ثم يشرع في البحث والتدريس ثم ينظر في امر معاشه والواردين عليه من ضيوف ومتخاصمين فيقضي بينهم ثم يصلي الظهرين في وقتيهما ويصرف باقي يومه بالمطالعة والتأليف ولا يدع لحظة تمضي من عمره في غير اكتساب فضيلة وإفادة مستفيد وخلف مائتي كتاب بخطه من تأليفه وتأليف غيره.
وفي أمل الآمل: امره في الثقة والعلم والفضل والزهد والعبادة والورع والتحقيق والتبحر وجلالة القدر وعظم الشأن وجمع الفضائل والكمالات أشهر من أن يذكر ومحاسنه وأوصافه الحميدة أكثر من أن تحصى وتحصر ومصنفاته كثيرة مشهورة وكان فقيها محدثا نحويا قارئا متكلما حكيما جامعا لفنون العلم. وفي نقد الرجال: وجه من وجوه هذه الطائفة وثقاتها كثير الحفظ نقي الكلام له تلاميذ أجلاء وله كتب نفيسة جيدة اه. وألف تلميذه الشيخ بهاء الدين محمد بن علي بن الحسن العودي العاملي الجزيني المدفون على رابية فوق قرية عديسة وعلى قبره قبة ويعرف بالعويذي بالياء والذال المعجمة تصحيف العودي بالدال المهملة رسالة في أحوال شيخه المذكور أدرج حفيد المترجم علي بن محمد بن الحسن بن زين الدين ما وجده منها في كتابه الدر المنثور فقال: ومن ذلك نبذة من تاريخ جدي المبرور العالم الرباني زين الملة والدين الشهير بالشهيد الثاني قدس الله تربته وأعلى في عليين رتبته وهو الذي ألفه الشيخ الفاضل الاجل محمد بن علي بن حسن العودي الجزيني أحد تلامذته قال وهذا الكتاب قد ذهب فيما ذهب من الكتب ووقع في يدي منه أوراق بقيت من نسخته أحببت ان أنقلها في هذا الكتاب تيمنا بذكر بعض أحواله. قال المؤلف رحمه الله ثم ذكر خطبة الكتاب وفيها ما صورته ان أحق ما أودع في الطروس تواريخ العلماء لما في ذلك من الحث على اقتفاء آثارهم والاقتداء بأفعالهم الجميلة وأخلاقهم الحسنة ثم قال وكان أحق من نظم بعقد هذا الشأن وأولى من نوه بذكره من فضلاء كل زمان شيخنا ومولانا ومرجعنا ومقتدانا ومنقذنا من الجهالة وهادينا ومرشدنا إلى الخيرات ومربينا وحيد زمانه ونادرة أوانه وفريد عصره وغرة دهره الشيخ الإمام الفاضل والحبر العالم العامل والنحرير المحقق الكامل خلاصة الفضلاء المحققين وزبدة العلماء المدققين الشيخ زين الملة والدين ابن الشيخ الامام نور الدين علي ابن الشيخ الفاضل أحمد بن جمال الدين بن تقي الدين صالح تلميذ العلامة ابن مشرف العاملي أفاض الله على روحه المراحم الربانية وأسكنه فسيح جنانه العلية وجعلنا من المقتدين باثاره والمهتدين بأنواره بمحمد وآله عليهم أفضل الصلاة وأتم السلام. ولما كان هذا الضعيف الملهوف عليه المحزون على طيب عيش مر لديه مملوكه وخادمه محمد بن علي بن حسن العودي الجزيني ممن حاز على حظ وافر من خدمته من 10 ربيع الأول سنة 945 إلى يوم انفصالي عنه بالسفر إلى خراسان في 10 ذي القعدة سنة 972.
فكأنها أحلام نوم لم تكن * يا ليتها دامت ولم تتصرم وتمتعت منها القلوب ونارها * من فوقها طفئت ولم تنضرم وجب ان نوجه الهمة إلى جمع تاريخ يشتمل على ما تم من امره من حين ولادته إلى انقضاء عمره تأدية لبعض شكره وامتثالا لما سبق إلي من امره فإنه كان كثيرا ما يشير إلي بذلك على الخصوص ويرغب فيه من حيث العموم وقد نبه عليه في منية المريد في آداب المفيد والمستفيد فجمعت هذه النبذة اليسيرة وسميتها بغية المريد من الكشف عن أحوال الشيخ زين الدين الشهيد. وقد رتب الرسالة على مقدمة وعشرة فصول وخاتمة ولكنه قد ضاع أكثر فصولها ولم يوجد منها الا القليل وهو الذي أدرجه حفيده في الدر المنثور. قال في المقدمة ما لفظه: حاز من صفات الكمال محاسنها ومآثرها وتروى من أصنافها بأنواع مفاخرها كانت له نفس علية تزهى بها الجوانح والضلوع وسجية سنية يفوح منها الفضل ويضوع كان شيخ الأمة وفتاها ومبدأ الفضائل ومنتهاها ملك من العلوم زماما وجعل العكوف عليها لزاما فأحيا رسمها وأعلى اسمها ان رآه الناظر على أسلوب ظن أنه ما تعاطى سواه ولم يعلم أنه بلغ من كل فن منتهاه ووصل منه إلى غاية أقصاه اما الأدب فإليه كان منتهاه ورقى فيه حتى بلغ سهاه أسمى سماه فجاء تكلمه فيه ارق من النسيم العليل وآنق من الروض البليل واما الفقه فكان قطب مداره وفلك شموسه وأقماره وكانه هوى نجم سعوده في داره واما الحديث فقد مد فيه باعا طويلا وذلل صعاب معانيه تذليلا أدأب نفسه في تصحيحه وابرازه للناس حتى فشا وجعل ورده في ذلك غالبا ما بين المغرب والعشا وما ذاك الا لأنه ضبط أوقاته بتمامها وكانت هذه الفترة بغير ورد فزين الأوراد بختامها واما المعقول فقد اتى فيه من الابداع ما أراد وسبق فيه الأنداد والافراد وان تكلم في علم الأوائل يعني به السير والتواريخ بهج الاذان والألباب وولج منها كل باب واما علوم القرآن العزيز وتفاسيره من البسيط والوجيز فقد حصل على فوائدها وحازها وعرف حقائقها ومجازها وعلم اطالتها وايجازها واما الهيئة والهندسة والحساب والميقات فقد كان له فيها يد لا تقصر عن الآيات واما السلوك والتصوف فقد كان له فيه تصرف وأي تصرف وبالجملة فهو عالم الأوان ومصنفه ومقرض البيان ومشنفه ان نطق رأيت البيان متسربا من لسانه وان أحسن رأيت الاحسان منتسبا إلى احسانه جدد شعائر السنن الحنفية بعد أخلاقها وأصلح للأمة ما فسد من أخلاقها وبه اقتدى من رام تحصيل الفضائل واهتدى بهداه من تحلى بالوصف الكامل عمر مساجد الله وأشاد بنيانها ورتب وظائف الطاعات فيها وعظم شانها امر بالمعروف ونهى عن المنكر وكم أرشد من صلى وصام وحج واعتمر كان لأبواب الخيرات مفتاحا وفي ظلمة عمى الأمة مصباحا منه تعلم الكرم كل كريم واستشفى به من الجهالة كل سقيم واقتفى اثره في الاستقامة كل مستقيم لم تأخذه في الله لومة لائم ولم تثن عزمه عن المجاهدة في تحصيل العلوم الصوادم خلصت لله أعماله فاثرت في القلوب أقواله.
وفي الرياض الفاضل العالم المجتهد الكامل العامل العادل المعروف بالشهيد الثاني وكان شريكا في الدرس مع الشيخ جعفر بن الشيخ علي بن عبد العالي الميسي وقد جازهما والد الشيخ جعفر المذكور بإجازة على حدة حين ألف الشهيد رسالة الحبوة وأرسلها إليه اه وفي المقاييس بعد بعض الاصلاح: انه أفضل المتأخرين وأعمل المتبحرين نادرة الخلف وبقية السلف مفتي طوائف الأمم والمرشد إلى التي هي أقوم الذي قصرت الأقلام عن استقصاء مزاياه وفضائله السنية وحارت الافهام في وصف مناقبه