وقرأت في تلك المدة بها على المرحوم الشيخ أحمد بن جابر الشاطبية في علم القراءة وقرأت القرآن بقراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وعاصم ثم رجعت إلى جبع سنة 938 وبها توفي شيخنا شمس الدين المذكور وشيخنا المقدم الاعلى الشيخ علي في شهر واحد وهو شهر جمادي الأولى وكانت وفاة شيخنا السيد حسن 6 شهر رمضان سنة 933 وأقمت بالبلدة المذكورة جبع إلى تمام سنة 941 ثم عدت إلى دمشق ثانيا أول سنة 942 واجتمعت في تلك السفرة بجماعة كثيرة من الأفاضل فأول اجتماعي بالشيخ شمس الدين بن طولون الدمشقي الحنفي وقرأت عليه جملة من الصحيحين وأجازني روايتهما مع ما يجوز له روايته في شهر ربيع الأول من السنة المذكورة. قال ابن العودي: وكانت قراءته عليه في الصالحية بالمدرسة السليمية وكنت انا إذ ذاك في خدمته اسمع الدرس وأجازني الشيخ المذكور الصحيحين المذكورين، وقد وقع هنا خلل واضطراب فيما نقله بعض الحاكمين لهذه القصة عن رسالة ابن العودي سببه تحريف النساخ.
منام قال ابن العودي رآه بعض الاخوان الصالحين وهو الشيخ زين الدين الفقعاني شريك الشهيد الثاني في الدرس عند المحقق الميسي تلك السنة في المنام في قرية يقال لها البصة على ساحل البحر مع جماعة فدخل عليهم رجل ذو هيبة ومعه جرة فيها ماء فألقم باب الجرة شيخنا الشيخ زين الدين وجعل يكرع من الماء وهو قابضها معه فسأل الرائي عنه فقيل له هذا الشيخ علي بن عبد العالي الكركي وهذا الشيخ يروي عنه شيخنا بواسطة توفي مسموما 12 ذي الحجة سنة 945 في الغري على مشرفة السلام فكان ذلك هو تأويل المنام سفره إلى مصر قال ورحلت إلى مصر أول سنة 943 لتحصيل ما أمكن من العلوم وفي نسخة 942 فعلى النسخة الأولى تكون اقامته بدمشق في السفرة الثانية شهرين ونصفا وعلى النسخة الثانية سنة وشهرين ونصفا. وقال ابن العودي وكنت أريد صحبته إلى مصر فأرسلت إليه فمنعني وما كان ذلك الا لسوء حظي وكان القائم بامداده وتجهيزه بهذه السفرة الحاج الخير الصالح شمس الدين محمد بن هلال رحمه الله عمل معه عملا قصد به وجه الله وقام بكل ما يحتاج إليه مضافا إلى ما أسدى إليه من المعروف وأجرى عليه من الخيرات في مدة طلبه للعلم قبل سفره هذا وأصبح هذا الحاج محمد مقتولا في بيته هو وزوجته وولدان له أحدهما رضيع في السرير في سنة 952 وفي بعض النسخ سنة 956 ثم ودعناه وسافر من دمشق يوم الأحد منتصف ربيع الأول سنة 942 قال ابن العودي واتفق له في الطريق ألطاف الهية وكرامات جلية حكى لنا بعضها منها ما اخبرني به ليلة الأربعاء عاشر ربيع الأول سنة 960 انه في منزل الرملة مضى إلى مسجدها المعروف بالجامع الأبيض لزيارة الأنبياء الذين في الغار وحده فوجد الباب مقفولا وليس في المسجد أحد فوضع يده على القفل وجذبه فانفتح فنزل إلى الغار واشتغل بالصلاة والدعاء وحصل له اقبال على الله بحيث انه ذهل عن القافلة ومسيرها ثم جلس طويلا ودخل المدينة بعد ذلك ومضى إلى مكان القافلة فوجدها قد ارتحلت ولم يبق منها أحد فبقي متحيرا في امره مع عجزه عن المشي فاخذ يمشي على اثرها وحده فمشى حتى أعياه التعب فبينما هو في هذا الضيق إذ اقبل عليه رجل لاحق به وهو راكب بغلة فلما وصل إليه قال له اركب خلفي فردفه ومضى كالبرق فما كان الا قليلا حتى لحق بالقافلة وانزله وقال له اذهب إلى رفقتك ودخل هو في القافلة قال فتحريته مدة الطريق اني أراه ثانيا فما رأيته أصلا ولا قبل ذلك وهذه كرامة ظاهرة وعناية باهرة لا ينكرها الا من غطى هواه على عقله واعتقد ان الله لا يعتني بمن هو من أهله ومنها انه لما وصل إلى غزة واجتمع بالشيخ محيي الدين عبد القادر بن أبي الخير الغزي وجرت بينه وبينه احتجاجات ومباحثات واجازه إجازة عامة وصار بينهما مودة زائدة وادخله إلى خزانة كتبه فقلب الكتب وتفرج في الخزانة فلما أراد الخروج قال له اختر لنفسك كتابا من غير تأمل ولا انتخاب فظهر كتاب لا يحضرني اسمه من كتب الشيعة من مصنفات الشيخ جمال الدين بن المطهر قال وكان وصولي مصر يوم الجمعة منتصف شهر ربيع الاخر من سنة 942 وذلك بعد شهر من خروجه من دمشق واشتغلت بها على جماعة وعد ستة عشر شيخا منهم الشيخ شهاب الدين احمد الرملي الشافعي قرأت عليه منهاج النووي في الفقه وأكثر مختصر الأصول لابن الحاجب وشرح العضدي مع مطالعة حواشيه السعدية والشريفية وسمعت عليه كتبا كثيرة في الفنون العربية والعقلية وغيرهما فمنها شرح تصريف العزي ومنها شرح الشيخ المذكور لورقات امام الحرمين الجويني في أصول الفقه ومنها أذكار النووي وبعض شرح جمع الجوامع والمحلى في أصول الفقه وتوضيع ابن هشام في النحو وغير ذلك مما يطول ذكره وأجازني إجازة عامة بما يجوز له روايته سنة 943 ومنهم الملا حسين الجرجاني قرأنا عليه جملة من شرح التجريد للملا علي القوشجي مع حاشية ملا جلال الدين الدواني وشرح أشكال التأسيس في الهندسة لقاضي زاده الرومي وشرح الجغميني في الهيئة له ومنهم الملا محمد الاسترآبادي قرأنا عليه جملة من المطول مع حاشية السيد شريف والجامي شرح الكافية ومنهم الملا محمد علي الكيلاني سمعنا عليه جملة في المعاني والمنطق ومنهم الشيخ شهاب الدين بن النجار الحنبلي قرأت عليه جميع شرح الشافية للجاربردي وجميع شرح الخزرجية في العروض والقوافي للشيخ زكريا الأنصاري وسمعت عليه كتبا كثيرة في الفنون والحديث منها الصحيحان وأجازني جميع ما سمعت وقرأت وجميع ما يجوز له روايته في السنة المذكورة ومنهم الشيخ أبو الحسن البكري سمعت عليه جملة من الكتب في الفقه والتفسير وبعض شرحه على المنهاج.
وفي مقدمات البحار ان له كتاب الأنوار في مولد النبي ص وكتاب مقتل أمير المؤمنين ع وكتاب وفاة فاطمة الزهراء ع. قال ابن العودي كثيرا ما كان قدس الله سره يطري علينا أحوال هذا الشيخ ويثني عليه وذكر انه كان له حافظة عجيبة كان التفسير والحديث نصب عينيه وكان أكثر المشايخ المذكورين أبهة ومهابة عند العوام والدولة وكان على غاية من حسن الطالع والحظ الوافر من الدنيا واقبال القلوب عليه وكان من شدة ميل الناس إليه إذا حضر مجلس العلم أو دخل المسجد يزدحم الناس على تقبيل كفيه وقدميه حتى أن منهم من يمشي حبوا ليصل إلى قدميه يقبلهما صحبه شيخنا نفع الله به من مصر إلى الحج وذكر انه خرج في مهيع عظيم من مصر راكبا في محفة مستصحبا ثقلا كثيرا بعزم المجاورة باهله وعياله وكان شانه إذا حج يجاور سنة ويقيم بمصر سنة ويحج وكان معه من الكتب عدة أحمال ذكر شيخنا عددها ولكن ليس في حفظي الآن حتى أنه ظهر له منه التعجب من