ولهذا أن الأصحاب أجمعوا على طرح ظاهر هذه الأخبار المخالفة لذلك، وتأولوها بالحمل على كون أخذ الوالد للنفقة.
إلا أن الأخبار المذكورة تنبو عن ذلك، إذ لا فرق حينئذ بين الولد والوالد، مع أن الروايات المذكورة دلت على الفرق، وأنه إنما يباح الأخذ للوالد خاصة دون الولد.
وكذلك الفرق في الأخبار المذكورة بين الأم والأب حيث منعت الأم من الأخذ مع أنها واجبة النفقة أيضا كالأب.
وبالجملة فإن الحمل المذكور، وإن أمكن اجراؤه في بعض، إلا أنه لا يتم في الجميع، كما عرفت.
وأجاب بعض الأصحاب، بأن ما تضمن جواز أخذ الأب من مال الولد، محمول أما على قدر النفقة الواجبة عليه مع الحاجة، أو على الأخذ على وجه القرض، أو على الاستحباب بالنسبة إلى الولد. وما تضمن منع الولد، محمول على عدم الحاجة، أو على الأخذ لغير النفقة الواجبة، وكذا ما تضمن منع الأم، لجواز وجود الزوج لها فتجب نفقتها عليه لا على الولد.
وأنت خبير بما في ذلك كله من البعد، إلا أنه لا مندوحة عن المصير إليه لعدم إمكان الوقوف على ظواهر هذه الأخبار.
والأظهر عندي هو: حمل هذه الأخبار - وإن تعددت - على التقية، لاتفاق الأصحاب على ترك العمل بها، مضافا إلى خروجها عن مقتضى القواعد الشرعية.
وبعد التأويلات التي ذكروها، مع إمكان ارجاع بعضها إلى ما يوافق القول المشهور.
ويشير إلى ما ذكرناه من الحمل المذكور: الخبر الثالث، حيث إنه عليه السلام بعد أن نقل الخبر النبوي الدال على الحكم المذكور، أضرب عنه تنبيها وإشارة إلى عدم صحته. وإلا فكيف ينقله وهو صحيح عنده، ثم يخالفه ويسمي ذلك فسادا،