فإنها مطابقة المقالة، واضحة الدلالة على أن البايع يعلم أن المشتري يصنع ذلك المبيع من العنب والتمر خمرا، ولا سيما قوله في خبري محمد الحلبي ويزيد بن خليفة -: بعته حلالا فجعله حراما. فإن ظاهره ينادي بأن المدار في التحريم والتحليل إنما هو بالنسبة إلى حال المبيع، فإن كان المبيع مما يحل بيعه في ذلك الوقت و تلك الحال صح البيع، وإلا فلا، ولا تعلق لصحة البيع بما يؤل إليه حال المبيع بعد البيع، علمه أم لم يعلمه. وما ذكره من الحمل على توهم البايع أو رجوع الضمير إلى مطلق العصير والتمر لا المبيع، عجيب من مثله! وكيف لا وهو عليه السلام يقول: إنا نبيع تمرنا ممن نعلم أنه يصنعه خمرا وشرابا خبيثا. أي يصنع ذلك التمر الذي نبيعه إياه، كما لا يخفى على صاحب الذوق السليم والفهم القويم.
وبالجملة فإنه لو قامت هذه الاحتمالات البعيدة لا نغلق باب الاستدلال.
وقد تلخص من ذلك: أن الظاهر من هذه الأخبار - بعد ضم بعضها إلى بعض - هو: قصر التحريم على ما إذا وقع الاشتراط في العقد أو الاتفاق على البيع أو الإجارة لتلك الغاية المحرمة، وحل ما سوى ذلك. وما ذكره الأصحاب من الكراهة في موضع التحليل، وإن كان جيدا في حد ذاته، إلا أن ظواهر الأخبار لا تساعده، لا سيما أخبار بيع التمر والعنب ليعمل خمرا. والله العالم.
الثالث: المشهور بين الأصحاب بل الظاهر أنه لا خلاف فيه: تحريم بيع السلاح على أعداء الدين.
والذي وقفت عليه من الأخبار في المقام: ما رواه في الكافي والتهذيب عن أبي بكر الحضرمي، في الحسن قال: دخلنا على أبي عبد الله عليه السلام، فقال له حكم السراج:
ما تقول فيمن يحمل إلى الشام السروج وأداتها؟ فقال: لا بأس، أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إنكم في هدنة، فإذا كانت المباينة؟ حرم عليكم أن تحملوا إليهم السروج والسلاح (1).