هذا إذا لم يمكن الجمع بين الأمرين، وإلا وجب الجمع بقدر الامكان في الواجبين. وباقي الصور يعرف بالمقايسة.
ولا يخفى أن ما ذكرناه في هذا المقام وإن كان خارجا عن موضوع الكتاب، إلا أن فيه فوائد جمة، لا تخفى على ذوي الأفهام والألباب والله العالم.
الفائدة الثانية قد عرفت مما قدمناه من الأخبار ومثلها غيرها مما لم نذكره، الدلالة على وجوب طلب الرزق، واستحباب جمع المال بتجارة كان أو زراعة أو صناعة، مع أنا نرى في هذه الأوقات ولا سيما في أرض العراق زيادة جور السلاطين وظلمهم على من اشتغل بشئ من ذلك حتى آل الأمر إلى تركهم ذلك أو الفرار من ديارهم إلى بعض الأقطار ومنه يحصل الاشكال في العمل بتلك الأخبار، اللهم إلا أن يقال: إن السبب التام في تعدي الحكام على أولئك الأنام، إنما هو تعديهم الحدود الشرعية والأحكام، في أعمالهم أو غيرها، وعدم القيام بما أوجبه الملك العلام.
ويدل عليه ما رواه الصدوق في كتاب المجالس بسنده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
قال الله تعالى: " أنا خلقت الملوك وقلوبهم بيدي، فأيما قوم أطاعوني جعلت قلوب الملوك عليهم رحمة، وأيما قوم عصوني، جعلت قلوب الملوك عليهم سخطة. ألا لا تشغلوا أنفسكم بسب المملوك. توبوا إلى، أعطف قلوبهم عليكم " (1).
وهو كما ترى ظاهر الدلالة واضح المقالة، في أن تسلط الملوك عليهم وظلمهم لهم إنما نشأ من ظلمهم أنفسهم، وتعديهم الحدود الشرعية، ومن ثم منعهم من سب الملوك وتظلمهم من الحكام، فإنه سبحانه هو الذي سلطهم عليهم، وأمرهم بالتوبة والإنابة، ليعطف قلوب الحكام عليهم.
ويؤيده ما ورد في بعض الأخبار التي يحضرني الآن موضعها، من قوله تعالى: