وفي كثير من الكتب التفسيرية: أن الإنزال هو الإيصال والإبلاغ، ولا يعتبر كونه من أعلى، لشهادة قوله تعالى: * (فإذا نزل بساحتهم) *، لأنه بمعنى وصل وحل (1).
أقول: قد تقرر منا مرارا أن التصرف في اللغة - لأجل الفرار من المجاز والاستعارة والكناية - قبيح وناشئ عن الضعف، وغير موافق للتحقيق، لأن اللغات الموضوعة والمستعملة في القرى والبوادي، ليست لها إلا المعاني المناسبة لأفق المتعلمين والواضعين.
وما اشتهر بين جماعة من أهل المكاشفة والحكمة: بأن الألفاظ موضوعة للمعاني العامة، خال عن التحصيل في حدود المقام وفي موقف الوضع والاستعمال، فالنزول ليس - بحسب اللغة - إلا الهبوط المادي والحلول الجسماني، وفيه اشرب معنى العلو، أي الحلول من الأعلى إلى الأسفل، والآية المستدل بها تدل على ذلك، لأن النزول بالساحة ربما يكون في مورد اعتبر العلو، كما لا يخفى.
ودعوى: أن اللغة إما ساكتة عن اعتبار العلو، أو متعرضة لمطلق العلو من غير كونه علوا حسيا، غير ممنوعة، لأن الميزان هو المتفاهم العرفي من اللغة، مع الرجوع إلى عهد الوضع والاستعمال، العاري عن جميع الأمور المعنوية والخصوصيات الاخر، والاستعمالات القرآنية وغيرها الحادثة، كلها مبنيات على نوع توسعات وكنايات واستعارات ذوقية صحيحة ولطيفة جدا، فلا ينبغي الخلط بين اللغة والوضع وبين