الكفر القولي على خلاف الاختيار، ولكن الكفر القلبي والباطني - لتلك العوارض الراسخة البالغة إلى حد الملكات الرذيلة - لا يكون بالاختيار، إلا أن إصلاح الحال أيضا لا يخرج عن حد القدرة والاختيار بالضرورة.
فالذين كفروا - بأي قسم من أقسام الكفر - لا يخرجون عن حد الاختيار والإرادة، فيكون كفرهم بسوء الاختيار، ولو لأجل عدم القيام على إصلاح أمرهم واستقامة حالهم، وهذا المعنى أمر معلوم لله تعالى ولغيره أيضا، إلا أن صفة المعلومية لله تعالى لا تورث سلب الاختيار، كما لا تورث صفة المعلومية لغيره تعالى سلب الاختيار عن الكافر.
وأما قدرته على تجهيله تعالى فهي أمر ثابت، ولا منع منه عقلا، لأن مجرد القدرة لا يورث ولا يستلزم إشكالا، ما دام لم تتعلق بخلاف المعلوم، فهو قادر على ذلك إلا أنه لا يتعلق قدرته إلا بما تعلق به علمه تعالى.
فبالجملة: تحصل أن الآية لا تكون ظاهرة في واحد من المذاهب الباطلة، وأمثال هذه الآيات كثيرة تأتي في محالها إن شاء الله تعالى.
ومن هنا ينقدح - مضافا إلى بطلان بعض البحوث المذكورة هنا -:
أن تقريب الشبهة لا يتوقف على كون المراد من " الذين كفروا " الأشخاص المعينون (1)، بل لو كانت القضية بنحو الحقيقة أيضا يمكن تقرير الإشكال، وقد تبين حله بما لا مزيد عليه.