وإن كان المراد من الكفر هو الكفر الذاتي، البالغ إلى حد الخروج عن الاختيار، فيكون الذم بلا وجه، لأنه لا معنى للذم على الفعل غير الاختياري، مع أن الظاهر من قوله تعالى: * (سواء عليهم) * أنه في موقف هجوهم وذمهم.
وإن قلنا: بأن المراد من الكفر هو الاختياري منه إلا أنه تعالى كان يعلم أنهم لا يؤمنون بالاختيار، ويكون عنادهم أبديا، فيلزم أن يثبت لهم الاختيار على تجهيل الله تعالى وقلب علمه جهلا، وهذا مما يكذبه العقل، فإن علمه تعالى يوصف بالوجوب الذاتي، ولا يتعلق به القدرة حتى قدرته تعالى، ولا يقال: هو تعالى قادر على أن لا يعلم، بخلاف أوصافه الاخر كالهداية والإضلال.
وإن قلنا: بأن اختيارهم مسلوب، فيعود المحذور السابق، مع أن سلب الاختيار أيضا خلاف ضرورة العقل.
فبالجملة: هذه الآية تنبئ عن مقالة الأشعريين حسب بعض التقارير وعن مقالة المعتزلة حسب التقريب الآخر، كما أشير إليه (1).
أقول: الكفر والإيمان من المسائل والموضوعات الاختيارية باختيارية مبادئها وأسبابها، ولأجله يتعلق به الأمر والنهي، ثم إن النفوس وإن كانت - بحسب الطينة والخلقة - مفطورة على التوحيد والإيمان، إلا أنها لمكان الجهات الخارجية والأسباب العرضية، تميل إلى الشرور والأباطيل إلى حد لا يتمكن من إصلاحها الأنبياء وغيرهم، من غير أن يكون