ثم إنه قد ذكر جملة من الأصحاب أنه يشترط في شعر المقدم الذي يمسح عليه أن لا يخرج بمده عن حد المقدم. فلو خرج عن الحد المذكور لم يجز المسح على الزائد، لخروجه عن محل الفرض، بل يمسح على أصوله وما زاد ما لم يخرج عن الحد المذكور.
بقي هنا شئ أغفل الأصحاب (رضوان الله عليهم) تحقيقه ولم يلجوا مضيقه، وهو أن المقدم الوارد في هذه الأخبار هل هو عبارة عما هو المتبادر من ظاهر اللفظ، وهو ما كان من قبة الرأس إلى القصاص مما يلي الجبهة، الذي هو كذلك إلى القصاص من خلف، فبأي جزء من هذه المسافة مسح تأدى به الواجب، أو هو عبارة عن الناصية وهي ما بين النزعتين كما فسرها به جماعة من الأصحاب: منهم - العلامة في التذكرة وغيره في غيره، وحينئذ فيكون المقدم عبارة عما ارتفع من القصاص إلى أن يساوي أعلى النزعتين؟
لم أقف بعد التتبع على من كشف عن ذلك نقاب الإبهام بكلام صريح في المقام إلا أن عباراتهم عند التأمل في مضامينها ترجع إلى الأول.
وقد وقفت على رسالة لشيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني (نور الله تعالى ضريحه بأنوار جوده السبحاني) نقل فيها المعنى الأول عن بعض معاصريه من الفضلاء العظام. والظاهر أنه الوالد (قدس الله نفسه ونور رمسه) ونقل عنه دعوى اجماع الطائفة عليه وعدم الخلاف، ثم نسبه في دعوى ذلك إلى الوهم، وقال: إنه لم يصرح بهذه الدعوى الغريبة غير شيخنا الشهيد الثاني في الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، وهو ظاهر كلامه في غيرها، وربما يستفاد من اطلاق فحاوي كلام غيرهما أيضا، لكن أكثر عبارات الأصحاب والأخبار وأهل اللغة ظاهرة بل صريحة في أن المقدم هو قصاص الشعر والناصية، والمستفاد منها أن ذلك هو محل الفرض، ويكفي مسماه، وأفضله مقدار ثلاث أصابع مضمومة من قصاص الشعر إلى ما بلغت لا أزيد، وأنه لو مسح ما فوق ذلك