وواجباته بنية على حياله. نعم ذلك إنما يتمشى على مذاق القوم من جعل النية عبارة عن ذلك الحديث النفسي، ووجوب المقارنة به لأول الأفعال كما ذكروا. وقد عرفت ما فيه (المقام السابع) - قد صرح غير واحد من أصحابنا (رضوان الله عليهم) بأن من جملة واجبات النية استدامتها حكما إلى الفراغ، ووجهه أنه أما كانت النية عبارة عن القصد إلى ايقاع الفعل بعد تصوره وتصور غايته الباعث على الاتيان به، وأنه بعد التلبس بالفعل على الوجه المذكور كثيرا ما تحصل الغفلة ويحصل السهو والنسيان الذي هو كالطبيعة الثانية للانسان عن ذلك القصد والتصور المذكورين مع الاستمرار على الفعل لكن يكون بحيث لو رجع إلى نفسه لاستشعر ما قصده وتصوره أولا، اقتضت الحكمة الربانية والشرعية السمحة المحمدية الجري على مقتضى النية السابقة ما لم يعرض هناك قصد آخر ناشئ عن غاية أخرى باعثة عليه مرتبا للفعل عليها، فإن الفعل حينئذ يخرج بذلك عما هو عليه أو لا، لما عرفت من دوران المغايرة بين الأفعال مدار القصود والنيات . ولك أن تقول - كما حققه بعض المحققين من متأخري المتأخرين - أنه لما كانت النية عبارة عن قصد إلى الفعل بعد تصور الداعي له الحامل عليه، والضرورة قاضية - كما نجده في سائر أفعالنا - بأنه قد يعرض لنا مع الاشتغال بالفعل الغفلة عن ذلك القصد والداعي في أثناء الفعل، بحيث إنا لو رجعنا إلى وجداننا لرأينا النفس باقية على ذلك القصد الأول، ومع ذلك لا يحكم على أنفسنا ولا يحكم علينا غيرنا بأن ما فعلناه وقت الذهول والغفلة بغير قصد ونية، بل من المعلوم أنه أثر ذلك القصد والداعي السابقين، الحكم في العبادة كذلك، إذ ليست العبادة إلا كغيرها من الأفعال الاختيارية للمكلف، والنية ليست إلا عبارة عما ذكرنا.
ثم قال (قدس سره): (إنه كما يجوز صدور الفعل بالإرادة لغرض مع الذهول في أثنائه عن تصور الفعل والغرض مفصلا، فكذلك يمكن صدوره بالإرادة لغرض مع الذهول عنها مفصلا في ابتداء الفعل أيضا، إذا تصور الفعل والغرض في زمان سابق