من الرأس، ولما عارضه الاجماع والأخبار الدالة على خصوص مسح المقدم دل على تخصيص الرأس بالمقدم، لكن لما كان من تلك الأخبار المخصصة حسنة زرارة الدالة على الناصية التي هي أخص من المقدم، أراد الجمع بينها وبين أخبار المقدم بحمل الناصية على المقدم، مجازا لقرينة المجاورة، أو حقيقة شرعية.
ثم إن أكثر عبائر الأصحاب في هذا المقام قد اشتملت على التعبير بالمقدم مفردا أو مضافا إلى الرأس، ومن الظاهر البين أن كل أحد لا يفهم من لفظ المقدم المضاف إلى الرأس أو غيره متى أطلق إلا ما قابل المؤخر، وسيأتي لك أيضا ما يعضده من كلام أهل اللغة. وبذلك يعلم أيضا أنه لا يطلق مجردا عن القرينة إلا على ذلك المعنى.
وبذلك أيضا اعترف شيخنا المذكور في آخر رسالته حيث قال: " لا يقال:
إن اطلاق الدليل من الآية يقتضي جواز المسح على الرأس، وحيث قد جاءت السنة مخصصة له بالمقدم وهو يطلق على ضد المؤخر، كانت مقيدة لاطلاق الكتاب، فيبقى ما صدق عليه المقدم سالما من التقييد، فيكون كله صالحا للمسح. لأنا نقول: الأمر كما ذكرتم لكن نحن لا نسلم اطلاق المقدم هنا على ما ادعيتموه بعد تفسير أهل اللغة له بالناصية وورود الحديث الصحيح بكون الباء للتبعيض، فهو وإن سلمنا ما هو أعم منها فلا أقل أن يكون من باب حمل المطلق على المقيد " انتهى.
وسيظهر لك الجواب عما أورده هنا. وبذلك يظهر لك ما في استدلاله بعبارات جملة من الأصحاب، فإن جلها من هذا الباب:
فمما نقله (قدس سره) كلم الصدوق (رحمه الله) في الفقيه حيث قال: " وحد مسح الرأس أن تمسح بثلاث أصابع مضمومة من مقدم الرأس " ومثله عبارته في الهداية إلا أنه قال: " أربع أصابع ".
وأنت لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما حررناه أنه لا دلالة فيها على شئ مما ادعاه لأنه حكم بوجوب مسح هذا المقدار المعين من المقدم، وقد عرفت المعنى المتبادر من المقدم